شبهة عمرو والمغيره ليسا من الصحابة
قال في حاشية (ص:78): ((سيتبع هذا البحث بحوثاً (كذا) موسَّعة عن بعض مَن رأى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، لكن أُخِذَت عليه مآخذ كبيرة أوصغيرة)).
فذكر أمثلة من هؤلاء، ثمَّ قال: ((وسيكون هناك أيضاً مباحث عن المختلف فيهم كمعاوية وعمروبن العاص والمغيرة ونحوهم))، وقد جاء ذكر عمروبن العاص وأنَّه ليس من الصحابة في كلام المالكي المتقدِّم
في خالد بن الوليد، وجاء ذمُّه وذمُّ المغيرة بن شعبة في كلامه المتقدِّم في معاوية.
ويُجاب عن ذلك بما يلي:
أولاً: لا أعلمُ أنَّ أحداً قال بعدم صُحبة هؤلاء الثلاثة رضي الله عنهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا خالف في أنَّهم صحابة إلاَّ هذا المالكي الذي اعتبر أنَّ الصحابةَ هم الأنصار والمهاجرون قبل الحُديبية فقط، وكذا الحكمي الذي حكى عنه المالكي أنَّه يقصر الصحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية، والمغيرة قبل الحُديبية، فلا أدري هل الحكمي يُخرجه من الصُّحبة كما أخرجه المالكي أم لا؟
وسبق أن ذكرتُ أنَّ هذا من مُحدثات القرن الخامس عشر، بل إنَّ بعضَ فِرَق الضلال التي ابتُليت ببغض الصحابة وسبِّهم وتفسيقهم أوتكفيرهم لَم يقولوا بعدم صُحبتِهم للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّما قالوا بارتدادهم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: تقدَّم نقلُ جملة من كلامه السيِّئ القبيح في أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه والجواب عنه.
ثالثاً: أمَّا عمروبن العاص رضي الله عنه، فهوصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأميره على أحد الجيوش، ويدلُّ لفضله ما يلي:
1 ـ روى البخاري في صحيحه (3662) بإسناده إلى عمروبن العاص: ((أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السَّلاسل، فأتيتُه فقلت: أيُّ النَّاسِ أحبُّ إليك؟ قال: عائشة، فقلتُ: مِن الرِّجال؟ قال: أبوها، قلتُ: ثمَّ مَن؟ قال: ثمَّ عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالاً)).
أورده البخاري في مناقب أبي بكر رضي الله عنه، وأورده (358) في باب غزوة ذات السلاسل، ورواه مسلم في صحيحه (2384) وقد كان في الجيش أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، قال الحافظ ابن حجر في شرحه في باب غزوة ذات السلاسل: ((وفي الحديث جوازُ تأمير المفضول على الفاضل إذا امتاز المفضول بصفةٍ تتعلَّق بتلك الولاية، ومزيَّةُ أبي بكر على الرجال وبنتِه على النساء، وقد تقدَّمت الإشارةُ إلى ذلك في المناقب، ومنقبةٌ لعَمروبن العاص لتأميره على جيشٍ فيهم أبوبكر وعمر، وإن كان لا يقتضي أفضليَّته عليهم، لكن يقتضي أنَّ له فضلاً في الجملة)).
أقول: أَفَيَكُونُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمَّر على هذا الجيش الذي فيه أبوبكر وعمر رجلاً ليس من أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، كما هومقتضى كلام المالكي؟!
2 ـ روى مسلم في صحيحه (192) بإسناده إلى عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: ((حَضَرْنا عمروبنَ العاص وهوفي سياقة الموت، فبكى طويلاً وحوَّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنُه يقول: يا أبتاه! أمَا بشَّرك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ أما بشَّرك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إنَّ أفضلَ ما نُعِدُّ شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، إنِّي كنتُ على أطباقٍ ثلاث، لقد رأيتُنِي وما أحدٌ أشدَّ بُغضاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منِّي، ولا أحب إلَيَّ أن أكون قد استمكنتُ منه فقتلتُه، فلومِتُّ على تلك الحال لكنتُ من أهل النار، فلمَّا جعل الله الإسلامَ في قلبي، أتيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسُط يَمينَك فلأُبايِعكَ، فبسط يَمينَه، قال: فقبضتُ يدي، قال: ما لك يا عَمرو؟ قال: قلت: أردتُ أن أشترطَ، فقال: تشترط بماذا؟ قلت: أن يُغفرَ لي، قال: أما علمتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِم ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تَهدِم ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يَهدِمُ ما كان قبله؟
وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أجلَّ في عينِي منه، وما كنت أُطيقُ أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولوسُئلتُ أن أَصِفَه ما أطقتُ؛ لأنَّي لَم أكن أملأُ عيني منه، ولومِتُّ على تلك الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنَّة، ثمَّ وَلِينا أشياء ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مِتُّ فلا تصحبْنِي نائحةٌ ولا نار ... )).
والحديثُ مشتمِلٌ على جُمل دالَّة على فضل عَمروبن العاص رضي الله عنه، وما جاء فيه من بُكائه ليس عيباً فيه؛ فشأنُ أولياء الله أنَّهم يخافون الله ويرجونه، وقد جاء عن بعض أهل العلم أنَّ الخوفَ والرَّجاء للمؤمن بمنزلة الجناحَين للطائر، لا يكون راجياً فقط ولا يكون خائفاً فقط، بل يكون راجياً خائفاً، ومن صفات أولياء الله في الكتاب العزيز ما ذكره الله عنهم بقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتَوْنَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}.
وأحاديث عمروبن العاص رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما، وقد قال الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء (3/ 55): ((داهيةُ قريش ورجل العالَم، ومَن يُضرب به المَثَل في الفِطْنَة والدَّهاء والحزم، هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلماً في أوائل سنة ثمان، مرافقاً لخالد بن الوليد وحاجب الكعبة عثمان بن طلحة، ففرح النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بقدومِهم وإسلامِهم، وأمَّر عَمراً على بعض الجيش، وجهَّزه للغزو، له أحاديث ليست كثيرة، تبلغ بالمكرَّر نحوالأربعين، اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثَين)).
رابعاً: أمَّا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، فهوصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومِمَّن بايَع تحت الشجرة، ويدلُّ لفضله ما يلي:
1 ـ أنَّه من الذين قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}.
وقال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل النارَ إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها)) أخرجه مسلم في صحيحه (2496) من حديث أمِّ مُبشِّر رضي الله عنها، ويبيِّن كونه من أهل بيعة الرِّضوان حديث المِسوَر بن مخرمة ومروان بن الحكم في صحيح البخاري (2731، 2732) في صلح الحُديبية: ((وجعل (أي عروة بن مسعود الثقفي) يُكلِّم النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فكلَّما تكلَّم كلمةً أخذ بلِحيتِه، والمغيرة بن شعبة قائمٌ على رأس النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومعه السَّيف وعليه المِغفر، فكلَّما أهوى عُروة بيده إلى لِحية النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ضرب يدَه بنعل السيف، وقال له: أخِّر يدَك عن لِحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)).
2 ـ وفي صحيح البخاري (3159) عن جُبير بن حيَّة قال: ((بعث عمرُ الناسَ في أفناء الأمصار يقاتلون المشركين ... فنَدَبَنا عمر (أي لقتال الفرس)، واستعمل علينا النُّعمان بن مقرِّن، حتى إذا كنَّا بأرض العدوِّ وخرج علينا عاملُ كسرى في أربعين ألفاً، فقام ترجمان فقال: لِيُكلِّمنِي رجلٌ منكم، فقال المغيرةُ: سَلْ عمَّا شئتَ، قال: ما أنتم؟ قال: نحن أناسٌ من العرب، كنَّا في شقاء شديد وبلاء شديد، نَمُصُّ الجِلدَ والنَّوى من الجوع، ونلبسُ الوَبَر والشَّعر، ونعبدُ الشَّجر والحَجَرَ، فبينا نحن كذلك إذ بعث ربُّ السموات وربُّ الأرضين تعالى ذِكرُه وجلَّت عظمتُه إلينا نبيًّا من أنفسنا، نعرفُ أباه وأمَّه، فأمرنا نبيُّنا رسولُ ربِّنا - صلى الله عليه وسلم - أن نُقاتِلَكم حتى تعبدوا الله وحده أوتؤتُوا الجِزيَةَ، وأخبرنا عن رسالة ربِّنا أنَّه مَن قُتل منَّا صار إلى الجنَّة في نعيم لَم ير مثلَها قطُّ، ومَن بقي مِنَّا مَلَكَ رِقابَكم)).
أقول: الله اكبر! ما أحسن هذا الكلام، وما أعظمَه، وما أجزلَه! وهوصادرٌ عن قوَّة إيمان، وبهذه القوَّة انتصر الصحابةُ رضي الله عنهم ومَن سار على نهجِهم، وحصلت العِزَّةُ للإسلام والمسلمين، وهذا الكلام بمنطق القوَّة والشجاعة، ومع الأسف نجد في هذا الزمان كثيراً من الإسلاميِّين يتكلَّمون بمنطق الضَّعف والذِّلَّة، فيقولون: إنَّ الجهادَ إنَّما شُرع في الإسلام للدِّفاع فقط، والله المستعان، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((بُعثتُ بين يدي الساعة بالسَّيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رِزقي تحت ظِلِّ رُمْحِي، وجُعل الذُّلُّ والصَّغارُ على مَن خالف أمري، ومن تشبَّه بقومٍ فهومنهم)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 5.، 92) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهوحديث ثابت، رجاله مُحتجٌّ بهم، وقد شرحه الحافظ ابن رجب في جزء لطيف مطبوع بعنوان: ((الحِكَم الجديرة بالإشاعة في شرح حديث بُعثت بين يدي الساعة)).
3 ـ وكان المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أميراً على الكوفة، وتوفي سنة (5.هـ)، وقد روى البخاري في صحيحه (58) بإسناده إلى زياد بن عِلاَقَة قال: ((سمعتُ جرير بن عبد الله يقول يوم مات المغيرة بن شعبة، قام فحمِد الله وأثنى عليه، وقال: عليكم باتِّقاء الله وحده لا شريك له، والوَقار والسَّكينة، حتى يأتيكم أمير، فإنَّما يأتيكم الآن، ثمَّ قال: استعفوا لأميرِكم؛ فإنَّه كان يُحبُّ العفوَ، ثمَّ قال: أمَّا بعد، فإنِّي أتيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قلتُ: أُبايِعُك على الإسلام، فشرط عليَّ: والنُّصح لكلِّ مسلم، فبايعتُه على هذا، وربِّ هذا المسجد! إنِّي لناصحٌ لكم، ثمَّ استغفَرَ ونزل)).
وهذا الكلام من جرير رضي الله عنه لأهل الكوفة فيه وَصْفُ المغيرة رضي الله عنه بالأمير وثناؤه عليه، وبيان أنَّ مقالتَه هذه هي من النُّصح للمسلمين، الذي بايع عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
هذه بعضُ فضائل المغيرة بن شعبة، وأهمُّها كونه مِمَّن بايَع تحت الشجرة، ومع هذا لا يُسلِّم المالكيُّ بأنَّ المغيرة رضي الله عنه ظفر بشرف صُحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أنَّ رأيَه المبتَكر في القرن الخامس عشر هوقَصْر الصُّحبة المحمود أهلها على المهاجرين والأنصار قبل صلح الحُديبية، والمغيرة من هؤلاء، لكن مصيبة المغيرة عند المالكي كونه أميراً لمعاوية رضي الله عنه، فلذلك لَم تشفع له عنده هذه الفضائل، وقد وعد بكتابة بحوث موَسَّعة عنه وعن أمثاله، أي من وِجهته المنحرفة عن الصحابة، وهووعْدٌ بباطل يجبُ إخلافُه.
وأحاديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في الصحيحين وغيرِهما، قال الخزرجي في الخلاصة: ((شهد الحُديبية، وأسلم زمن الخندق، له ـ أي في الكتب الستة ـ مئة وستة وثلاثون حديثاً، اتَّفقا على تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين.
* * *
زعمه أنَّ صُحبةَ الكثيرين من أصحاب النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لغوية لا شرعية والرد عليه:
قال في (ص:56): ((قد يورد البعضُ على ما سبق بعضَ الاعتراضات، وهذا من حقِّ كلِّ مَن قرأ البحثَ أوسمع به، كما أنَّه من حقِّنا أن نبيِّن رأينا في هذه الاعتراضات، سواء كانت بحقٍّ أم بغيره، ومن تلك الاعتراضات:
1 ـ قد يقول البعض: ما دام أنَّ اللغة واسعةٌ ويجوز فيها أن تطلق الصحابي أوالصاحب على من صحب ولوصحبة يسيرة، فلماذا التضييق في الأمر؟
الجواب: نحن للأسف تجاوزنا مسألة اللغة نفسها، فأصبحنا نطلق الصاحب على من رأى وليس على من صحب، فهذا أوَّلاً.
ثانياً: سبق أن كرَّرنا أننا لا نُمانع من إطلاق الصحبة إذا أريد بها مطلق الصحبة، لكن هذا الإطلاق جائز في الكفَّار والمنافقين أيضاً، بمعنى أنَّ المنافقين يدخلون في الصحبة من حيث اللغة كما أنَّ الكفَّار يدخلون كذلك، فاللغة تحتمل ذلك، ولذلك نحن ذكرنا أنَّ الصُّحبةَ الشرعيَّة فقط هي التي تقول: إنَّه لا يجوز أن تطلق على المسلمين بعد فتح مكة حتى ولورأوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وصَحبوه؛ لأنَّهم وإن كانوا صحابة لغة، وقد يكون بعضُهم صحابةً من حيث العُرف، لكنَّهم ليسوا صحابةً من الناحية الشرعية)).
ويُجاب عن ذلك بما يلي:
أوَّلاً: أنَّ اعتبارَ الصُّحبة اليسيرة للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بل ومجرَّد الرؤية للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كافٍ لعَدِّ مَن حصل له ذلك صحابيًّا، وسبق ذِكرُ الأدلَّة الدَّالة على اعتبار مَن لقيه - صلى الله عليه وسلم - صحابيًّا في أوَّل هذا الردِّ، منها الدليل السادس والثامن والرابع عشر التي فيها النص على اعتبار مَن رآه - صلى الله عليه وسلم - صحابيًّا.
ثانياً: ما ذكره مِن أنَّ الصُّحبةَ الشرعيَّة لا يجوز أن تُطلَق على المسلمين بعد فتح مكة حتى ولورأوا النَّبِيَّ وصحبوه ... إلخ، أقول: لَم يقتصِر على نفي الصُّحبة الشرعية المحمود أهلها على مَن أسلم بعد فتح مكة، بل تعدَّى ذلك إلى نفي الصُّحبة الشرعية عن الذين أسلموا بعد الحديبية وهاجروا إليه وصحِبوه - صلى الله عليه وسلم -، كما ذكر ذلك في تعريف الصحابيِّ الذي ذكره في أوَّل رسالته، وذكر ذلك أيضاً في آخرها، وأثنائها، وسبقت الإجابةُ عن ذلك فيما مضى مراراً.
ثالثاً: ما ذكره من أنَّ مَن أُضيفت إليه الصُحبة وليست صحبتُه شرعية، أنَّ صحبتَه شبيهةٌ بصُحبة الكفار المنافقين، أقول: سبق أن بيَّنتُ في أوَّل هذا الرَّدِّ أنَّ صُحبةَ هؤلاء للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانت مع الإيمان به وتصديقه واتِّباعه - صلى الله عليه وسلم -، وهذا خلاف صحبة المنافقين والكفار، وبناءً على هذا أقول: أَيَجوز في عقل ودين أن تكون تلك الألوف الكثيرةُ مِمَّن أسلم وصحِب النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بعد الحديبية إلى حين وفاته - صلى الله عليه وسلم - أن تكون صُحبتُهم كصحبةِ الكفار والمنافقين، وفيهم العباس عم النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وابنه عبد الله وخالد بن الوليد وعمروبن العاص ومعاوية، بل والمغيرة بن شعبة ـ وهومن أهل بيعة الرضوان ـ رضي الله عنهم جميعاً؟! وسبق للمالكيِّ أن نفى صُحبتَهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ونقلتُ كلامَه في ذلك ورددتُ عليه فيما مضى.
رابعاً: قوله في أول كلامه: ((كما أنَّه من حقِّنا أن نبيِّن رأينا في هذه الاعتراضات، سواء كانت بحقِّ أم بغيره))، أقول: إذا كانت الاعتراضات بحقٍّ، فإنَّ الإجابةَ عليها بغير الرجوع والتسليم من المجادلة بالباطل.