يلاحظ أن الشيعة تعاملوا مع نصوص الكتاب والسنة التي وردت فيها صفات الله الذاتية من خلال ما يلي:-
1- تأويل نصوص القرآن الكريم بما بعطل الذات الإلهية عن صفاتها.
2- رد الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- الاعتماد على روايات أئمتهم المناقضة لنصوص الكتاب والسنة.
أولا: تأويل نصوص القرآن الكريم بما يعطل الذات الإلهية عن صفاتها:
جاء في كتاب العقائد الإسلامية:التأويل لآيات وأحاديث الصفات هو مذهب أهل البيت عليهم السلام، ويجعلون الأساس الآيات المحكمة في التوحيد مثل قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) و(لا تدركه الأبصار)، ويقولون بتأويل كل نص يظهر منه التشبيه أو الرؤية بالعين، لينسجم مع حكم العقل وبقية الآيات والأحاديث.(كتاب العقائد الإسلامية: المجلد الثاني، تأليف:مركز المصطفى للدراسات الإسلامية ص 51).
وقال الشيخ علاء الحسون:"قول الإمامية:عدم الأخذ بظواهر هذه الصفات وإثباتها على نحو المجاز من غير تأويل، أي: حمل هذه الصفات على معانيها اللغوية من باب الكناية عن مفاهيم عالية لا من باب التأويل".(التوحيد عند مذهب أهل البيت عليهم السلام: علاء الحسون ص 349).
والشيعة يعدون أنَّ مذهبهم هو الحق، يقول الشيخ الشيعي صائب عبد الحميد: إن الشيعة اتّبعوا في الصفات سنّة النبي صلى الله عليه وآله وبيانات أئمّة الهدى من آله عليهم السلام، فأثبتوا المحكمات أصولا للعقيدة، وعمدوا إلى المتشابهات فردّوها إلى أصولها المحكمة، فنفوا كلّ ما يدلّ على التشبيه والتجسيم، ثمّ أثبتوا له تعالى الصفات الثبوتية، على أنها صفات قائمة بذاته، وليست هي أشياء منفصلة عنه زائدة عليه كما زعمت الأشاعرة. وقالوا بوجود المجاز في اللغة، واعتمدوه في إرجاع المتشابه إلى المحكم، فعملوا بالتأويل في هذه الحدود مقتفين الأثر الصادق الذي وجدوه كلّه منسجماً مع المحكم. ومن ذلك قول الإمام علي عليه السلام:"وكمالُ الإخلاص لهُ نفيُ الصِفاتِ عنهُ؛ لشهادةِ كلِّ صفةٍ أَنَّها غيرُ المَوصوفِ، وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنَّه غيرُ الصفةِ، فمَنْ وَصَفَ الله سبحانه فَقدْ قرنَهُ، ومَنْ قرنَهُ فَقدْ ثنّاهُ، ومَنْ ثنّاهُ فَقدْ جزّأَهُ، ومن جزّأَهُ فَقدْ جَهِلَه".(المذاهب والفرق في الإسلام النشأة والعالم:صائب عبد الحميد -بتصرف- ص 106-107. وانظر كلام علي رضي الله عنه:نهج البلاغة: الشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين، ص 27، نهج البلاغة، الخطبة الأولى، تحقيق د. صبحي الصالح، بيروت- لبنان ص40. الاحتجاج:الحديث رقم 113، 2|473). فقول الإمام علي هو ردّ صريح على من يُجري أخبار الصفات وآياتها على ظواهرها وعلى الحقيقة دون المجاز.(المذاهب والفرق في الإسلام النشأة والعالم: صائب عبد الحميد، ص107).
ونود أن ننبه هنا بأن ما ذهب إليه الشيعة من القول بأنَّ الذات عين الصفات، هو نفس ما تقوله المعتزلة. فمذهب المعتزلة أنَّ صفات الله عين ذاته، وليس وراءها صفة أخرى قائمة بالذات، بنحو تكون الصفات قائمة بالذات الإلهية، كما يعتقد مثبتة الصفات. جاء في شرح التجريد للعلامة الحلي:"إن الله يستحيل أن يتصف بصفة زائدة على ذاته بأي نحو كانت، لأن وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن كل شيء، فلا يفتقر في كونه قادراً إلى صفة القدرة، ولا في كونه عالماً إلى صفة العلم، ولا إلى غير ذلك من المعاني والأحوال".(شرح تجريد الاعتقاد:العلامة الحلي ص410، وانظر الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة:هاشم معروف الحسني ص167).
يقول الشيخ المفيد:"وأقول: إن الله عز وجل اسمه حي لنفسه لا بحياة، وأنه قادر لنفسه وعالم لنفسه لا بمعنى كما ذهب إليه المشبهة من أصحاب الصفات...وهذا مذهب الإمامية كافة والمعتزلة".(أوائل المقالات في المذاهب والمختارات: الشيخ المفيد ص 52)
إن الشيعة المؤولة للنصوص يلزمهم الوقوع في عدة محاذير، وكل محذور فيه خطورة على عقيدة سالكيه:-
الأول:الطعن في علم المتكلم بنصوص الصفات، باعتقادهم أنَّ ظاهر كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من المحال الباطل، ففهموا أن ظاهر النصوص التشبيه، فلزم تأويلها عندهم.
الثاني: تعطيلهم النصوص عن حقائقها، بصرفها للمجاز، بناء منهم على ذلك الفهم الذي يليق بهم، ولا يليق بالله جل جلاله.
الثالث: اتهام المتكلم بالنصوص بعدم البيان والهدى والإرشاد، والقدح في نصحه.
الرابع: التلاعب بالنصوص، وانتهاك حرماتها.(مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة:ابن القيم 1/56)
رد الشيعة الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الشيعة يردَّون جملةً وتفصيلاً كتب السنة النبوية التي بين أيدي المسلمين فلا يعتبرونها ولا يُقِرّونها، واستبدلوها بأقوال الأئمة المعصومين عندهم، والمنسوبة لهم كذباً وزوراً، لذلك لا تجد لهم فـي كتبهم من الأحاديث ما هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم إلا نادراً، فمعظم الروايات تسند عن أئمتهم. وبالتالي ذهب الشيعة إلى القول بعدم صحة الأحاديث الصفات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أثبتت لله صفات الكمال على الوجه الذي يليق بجلاله وعظمته، لأمرين اثنين:-
الأول: يرى الشيعة أن الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم برواية أهل السنة لا تصلح للاحتجاج، لكون رواتها لا يؤمنون بعقائد الشيعة التي عرفوا بها دون المسلمين. يعبر عن ذلك علامة الشيعة محّمد الحسين آل كاشف الغطاء بقوله:"إنّهم-أي الشيعة - لا يعتبرون من السنة- أعني الأحاديث النبوية- إلا ما صحّ لهم من طرق أهل البيت عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله، يعني: ما رواه الصادق عن أبيه الباقر عن أبيه زين العابدين عن الحسين السبط عن أبيه أمير المؤمنين عن رسول الله سلام لله عليهم جميعاً..أمّا ما يرويه مثل:أبي هريرة، وسمرة بن جندب، ومروان بن الحكم، وعمران بن حطان الخارجي وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس لهم عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة وأمرهم أشهر من أن يذكر، كيف وقد صرّح كثير من علماء السنة بمطاعنهم، ودل على جائفة جروحهم".(أصل الشيعة وأصولها: محّمد الحسين آل كاشف الغطاء ص 236).
الثاني: زعم الشيعة أن روايات الحديث عند أهل السنة والتي تصف الله بالصفات الخبرية الذاتية كاليد والوجه وجب ردها لأنها في زعمهم تنسب لله الصفات بشكل خرافي ومضحك، لكونها تنسب الأعضاء للّه سبحانه، وهي في زعمهم من الروايات المكذوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(انظر دراسات في العقيدة الإسلامية: محمد جعفر شمس الدين ص 150). ويدعو الشيعة علماء أهل السنة إلى تطهير كتب الحديث مما فيها من الأكاذيب والموضوعات المنفرة للإنسان من الدين.(انظر المصدر السابق ص 157).