إنَّ من يطالع ما كتبه الشيعة الإثنا عشرية في باب الصفات، يجدهم قد نفوا عن الله تعالى جميع صفاته، وزعموا أنَّ الذات عين الصفات، بمعنى أنه ليس وراء ذاته شيء يسمى صفة. فصفاته عندهم ليست معنى زائدا على ذاته، فالله عالم وسميع، وقادر وبصير، وحي بذاته، لا بشيء زائد عن ذاته يقتضي ثبوت وصف العلم والسمع والقدرة والبصر والحياة.(انظر شرح تجريد الاعتقاد:العلامة الحلي ص229، عقائد الإمامية: محمد رضا المظفر ص 27، الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة:هاشم معروف الحسني ص 165).
فالصفات الذاتية الثبوتية عندهم هي:عين ذاته، فهو قادر بالذات، وعالم بالذات، وحيّ بالذات، أي إنه ذاته وصفته شيء واحد. أي أنّ صفاته سبحانه ليست زائدة على ذاته، بمعنى أنّها نفس الصفة، لا أنّ لها الصفة، فالصفات نفس الذّات، وليس وجودها إلا وجود الذات.(الإلهيات:حسن محمّد مكي العاملي ص 85. وانظر عقيدتنا: محمد المظفر حسين ص 38-39. يقول في ذلك العلامة الحلي: ذهب الشيعة قاطبة إلى القول بأن الذات عين الصفات. انظر شرح تجريد الاعتقاد:العلامة الحلي ص 229).
وقد أشار إلى ذلك بعض مشايخ الشيعة المتقدمين، ومنهم الشيخ المفيد(أوائل المقالات في المذاهب والمختارات:الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري ص 52). وبعض مشايخ الشيعة المعاصرين، ومنهم هاشم معروف الحسني.(الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة:هاشم معروف الحسني ص 10-11، ومحمد جعفر شمس الدين (انظر دراسات في العقيدة الإسلامية ص135، 146-147)، والكوراني الذي قال:"يعتقد الشيعة إجماعا أن صفات الله هي عين ذاته".(الانتصار:الكوراني 2/144. نقلا عن يلزم الرافضة:إعداد عبد الرحمن دمشقية، نشر موقع الفرقان)
يقول الشيعي محمد جعفر شمس الدين:"وقد ذهب الإمامية قاطبة إلى القول بعينية الذات والصفات. كما ذهب إلى نفس القول بعض المعتزلة". وأضاف:"إنَّ الحق ما عليه الشيعة الإمامية من القول بتجريد الذات الإلهية عن الصفات. ونحن نختار ما عليه الإمامية وبعض المعتزلة، من القول بأن صفاته تعالى عين ذاته، متحدة معها مستدلين بحكم العقل، وبما ورد من النقل".(دراسات في العقيدة الإسلامية ص 186).
يقول الشيخ الشيعي مالك مهدي السويعدي:"نحن عندما نقول الله حي, الله قادر, عالم إلى غيره من الصفات. سميع، بصير،قادر، مختار, عالم, حي, مريد كاره, مدرك, قديم باق أبدي, متكلم ، صادق. هذه الصفات هي عين الذات"(الألوهية: الشيخ مالك مهدي السويعدي، شبكة البتول، مكتبة العقائدية الإسلامية).
ومعنى عينية صفات الذات عند الشيعة: أنها أجمع ناشئة من مقام الذات محضاً، بلا دخول أمر آخر وراء الذات في هذا النشوء. قال علامة الشيعة المعاصر الطباطبائي:"الصفات الذاتية هي عين الذات المتعالية، من غير أن تتفرع على أمر غيرها".(تفسير الميزان: محمد حسين الطباطبائي 7/27) وإلى ذلك يشير كلام أمير المؤمنين علي كما تزعم روايات الشيعة:"وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف. وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. فمن وصف اللّه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله".(مقال العلم الإلهي:آية الله الشيخ محمد هاد معرفة، مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية، وموقعه على شبكة المعلومات الدولية).
وجاء في تفسير الميزان:التعليم القرآني... يثبت من الوحدة ما لا يستقيم معه فرض أي كثرة تمايز لا في الذات ولا في الصفات، وكل ما فرض من شيء في هذا الباب كان عين الآخر لعدم الحد، فذاته تعالى عين صفاته، وكل صفة مفروضة له عين الأخرى.(تفسير الميزان: محمد حسين الطباطبائي 6/91).
إن ما ذهب إليه الشيعة من أن الصفات هو عين الذات وأنّ صفاته سبحانه ليست زائدة على ذاته، بمعنى أنّها نفس الصفة، لا أنّ لها الصفة، هو من الاعتقادات الفاسدة. لقد أثبتت نصوص الكتاب والسنة أن الله عز وجل متصف بالصفات الذاتية.
أ- بعض هذه الصفات جاءت بها النصوص صراحة: كقوله تعالىلَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ) سورة النساء:166،(بلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ) سورة يونس39،(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) سورة الرحمن:27،(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) سورة ص:75. ب- بعض الصفات تأخذ من النصوص الشرعية بطريق الدلالة عليها:كقوله تعالىمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ) سورة البقرة:197،(اللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة216،(لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ) سورة آل عمران:181، فدلالة هذه النصوص على صفتي العلم والسمع ظاهرة. وهكذا معظم صفاته تعالى. ج- بعض النصوص أثبتت الأسماء لله تعالى، كقوله تعالىوَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) سورة البقرة:127،(وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) سورة المائدة: 76، وأسماؤه تعالى تدلُّ على ثبوت الصفات له تعالى، لأن الأسماء تتضمن معاني ثبوتية، هي الصفات. ولا معنى أن يتسمى الله باسم العلم دون أن يتضمن صفة العلم، أو يتسمى بالسميع دون أن يتصف بالسمع.(الأسماء والصفات:البيهقي ص 162-163) ولقد اجمع المسلمون قبل حدوث طوائف نفاة الصفات على أن لله تعالى صفات لم يزل متصفا بها، فكانوا يقولون: علم الله لم يزل وعلم الله سابق في الأشياء، وإذا نزلت حادثة قالوا كان هذا سابق في علم الله، وقولهم هذا دل على اتصاف الله بصفة العلم، وأن العلم ليس هو ذاته أو عين ذاته، ومن قال ذلك كان مناقضا لإجماع المسلمين.(انظر الإبانة في أصول الديانة:أبو الحسن الأشعري ص 46).
يقول ابن قتيبة: لقد تعمق نفاة الصفات بزعم تصحيح التوحيد بنفي التشبيه، وقالوا الله هو العالم ولا نقول بعلم، وهو القادرة ولا نقول بقدرة والحليم ولا نقول بحلم، وكأني بهؤلاء لم يسمعوا إجماع الناس الذين يقولون:أسالك عفوك، وهو يعفو بحلم، ويعاقب بقدرة، فالعليم هو ذو العلم، والحليم هو ذو الحلم، والعفو هو ذو العفو.(انظر الاختلاف في اللفظ: ابن قتيبة ص 22-23).
كما أن العقل لا يتصور وجود وصف لا يقوم بموصوف، كما أنه لا يتصور موصوفاً لا وصف له، ومثل الصفة والموصوف في ذلك كمثل الفعل والفاعل، فلو جاز وجود فاعل ليس له فعل، لجاز وجود فعل بدون فاعل، وإذا استحال وجود الفاعل بدون فعل، استحال أيضاً وجود فعل لا فاعل له. وإذا استحال ذلك استحال أيضاً وجود صفة بدون موصوف، كما استحال وجود موصوف بدون صفة. لأن العقل يجزم بأنه لا معنى لموصوف إلا من قامت به الصفة، ولا معنى لصفة إلا إذا كانت قائمة بموصوف، فبطل بذلك قول الشيعةيستحيل بحكم العقل زيادة الصفات على الذات، وأن الصفات عين الذات). فمثلا:اسم الله (الْعَلِيمُ) مشتمل على صفة العلم، والعلم أُثبِت له جل وعلا كغيره من الصفات بالاسم (الْعَلِيمُ) وبالصفة يعني المجردة، وكذلك بالأفعال التي تشتق منها صفات الباري تعالى، وهذا يدلَّ على أنَّ العلم الحاصل لله تعالى شيء زائد عن الذات وليس هو عين الذات كما تزعم الشيعة.
ويقال للشيعة إذا كنتم تقولون إن الصفة عين الذات فالله هو عين العلم، فقولوا يا علم الله اغفر لنا وارحمنا، فإن أبيتم ذلك لزمكم المناقضة، فمن قال عالم ولا علم كان مناقضا، كما أن من قال علم ولا عالم كان مناقضا. وما يقال في العلم يقال في بقية الصفات.(الإبانة في أصول الديانة:أبو الحسن الأشعري ص 64) وإن قول الشيعة حي بلا حياة أو عالم بلا علم، ممتنع بصريح العقل، فهو تماما ممتنع كقول من يقول: فلان مصلي بلا صلاة، أو صائم بلا صوم، أو ناطق بلا نطق. وهذا يجزم العقل بداهة بإبطاله ونفيه، إذا أن مدلوله وجود ذات بدون صفات.(انظر مجموع الفتاوى:ابن تيمية أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم 3/336، منهاج السنة النبوية له 2/486-489. الصفدية: له 1/104، درء تعارض العقل والنقل له 5/22).
وإن قول الشيعة الصفة هي عين الذات، يلزمك بان يكون السمع هو البصر، وهما نفس العلم، وهي نفس القدرة والحياة. وهذا محال في حق الله تعالى، بل محال في حق المخلوق، وإذا زعمتم التمييز بين هذه الصفات، بقال لكم: فإن هذا يستلزم التركيب، وهو محال عندكم، فعلى هذا يبطل قولكم في الصفات مطلقا.