شبهة ليدخلن عليكم رجل لعين
- هناك شبهة منتشرة عبر الفضائيات والمواقع الأكترونية , وهي عادة القوم أهل الرفض , أصحاب الدين القائم على الشهوات والشبهات .
وبعد بحث في هذه المسألة , واستشارة بعض أهل العلم من مشايخنا , توكلت على الله في رد هذه الشبهة , سائلا الله الاخلاص بهذا العمل وبجميع أعمالي .
قسمت الله هذا الموضوع الى ستة أقسام .
1- التفصيل في مسألة حكم لعن المعين .
2- هل يلزم من لعن المعين التكفير
3- بشرية الانبياء
4- حديث لعن النبي للحكم ابن أبي العاص
5- هل ينفي هذا اللعن العدالة للصحابة
6- قصة طرد النبي للحكم ابن أبي العاص
رأيت من الظروي أن أتطرق الى هذه المسائل , لأنها جزء لا يتجزء من الرد على هذه الشبهة , فلا بد من أن نعرف مواقف أهل العلم في هذه المسائل لكي نكون على بينة تامة ,واحاطة تامة بهذه الشبهة , وسوف أعرضها بإذن الله بإختصار شديد لكي لا نشتت صلب الموضوع .
التفصيل في مسألة حكم لعن المعين
أنقسم اهل العلم في حكم لعن المعين الى ثلاثة أقسم
1- أن لعن المعين لايجوز بحال من الأحوال وهو مروي عن طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم, وعليه جمهور أهل العلم في هذا الزمان .
2- أن اللعن يجوز في حق الكافر دون الفاسق . وممن ذهب الى هذ القاضي أبو يعلى وغيره.
3- أن اللعن جائز مطلقا ، سواء كان للكافر أو الفاسق (الفاسق ان استحقى ذلك ) , وهو قول ابن الجوزي.
هل يلزم من لعن المعين التكفير
لا يلزم من لعن المعين التكفير , فقد ثبت أن النبي والصحابة وبعض التابعين لعنو بعض الأعيان ولم يريدو بذلك تكفيرهم
أخرج أبو داود في السنن وغيره بسند صححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ)
ولم يكن فعل هذا الرجل لجاره كفرا
وجاء عن نصر المقدسي عن عبدالرحمن بن مهدي قال : ( دخلت على مالك بن أنس رضي الله عنه وعنده رجل يسأله عن القرآن والقدر ، فقال : لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد ، لعن الله عمروا فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام
وقد جاء عن بعض السلف لعنهم ليزيد ابن معاية , مع أنهم لا يرون تكفيره
وقد لعن النبي شارب الخمر وحامله , ولعن الزاني , ولعن النامصه , وان كان اللعن هنا لعن عام , الا ان حتى باللعن العام لا يستلزم التكفير أبدا .
بشرية الأنبياء
ذكرت هذا الجزء , لكي يعلم المخالف أن الأنبياء قد يقع منهم ما يقع للبشر , وأن عصمة الأنبياء ليست مطلقة كما يدعي الشيعة الاثناعشرية , فالعصمة للأنبياء تكون في التبليغ وليس على الاطلاق .
فهذا نبي الله موسى عليه السلام يضرب رجل فيقتله ، ثم ندم بعد ذلك وقال: هذا من عمل الشيطان، لأنه لم يقصد قتله والشيطان عدو للإنسان يدعوه إلى الشر وإلى البعد عن الله سبحانه وتعالى، إنه عدو مضل وضلاله بين واضح. ثم استغفر موسى ربه سبحانه وتعالى ودعاه أن يغفر له فقال: قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
وعندما رجع موسى عليه السلام , ووجد قومه يعبدون العجل , أخذ الألواح ورماها (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين )
وهذه الألواح فيها من كلام الله التي كتبها موسى بيده .
وقد عاتب الله النبي صل الله عليه وسلم في تحريمه العسل على نفسه (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَتَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
وكذلك عاتب الله النبي صل الله عليه وسلم في بداية سورة الأحزاب عن ما حصل من النبي صل الله عليه وسلم مع سفيان ابن حرب وعكرمة ابن أبي جهل عندما قدمو الى مكة
(اأيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما )
الخلاصة
أن الأنبياء قد يقع منهم ما يقع من البشر , ولكن ما يمزهم عن البشر , ان الأنبياء لهم وحي يصحح لهم , ويبين لهم ماهو صواب .
وعلى هذا , فالنبي قد يقع منه كذلك ما يقع من البشر من سب ولعن , فإن كان هذا الملعون يستحق هذا اللعن , فهو كذلك , ان كان هذا الملعون لا يستحق هذا اللعن , فإن هذا اللعن يتحول الى رحمة له من الله
جاء في صحيح الإمام مسلم في صحيحه بلفظ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
اللعن في الأصل محرم، (لو أخذنا بالقول الأول الذي ذكرناه سابقا) , ولأن الشرط الذي وافق الله عليه نبيه صلى الله عليه وسلم فجعل دعاءه وسبه يتحول لرحمة ليس عند أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا عهد عند أحد بتحول لعنه إلى رحمة إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
ويضاف لهذا أن دعاء كثير من الناس يحصل عند غضبه، وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم الذي يتحول لرحمة على المدعو عليه فيراد به من لم يكن أهلا للدعاء عليه، أو ما لم يكن بمقصود، بل هو مما جرت به العادة كما قال صاحب عون المعبود: والمعنى إنما وقع من سبه ودعائه صلى الله عليه و سلم على أحد ونحوه ليس بمقصود بل هو مما جرت به العادة، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة، فسأل ربه سبحانه ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه صلى الله عليه و سلم نادرا لأنه صلى الله عليه و سلم لم يكن فاحشا ولا لعانا. والله أعلم.
وقال النووي: في الحديث بيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة على أمته والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم. ورواية أنس تبين المراد بباقي الروايات المطلقة وإنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة، ونحو ذلك إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه وكان مسلماً وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ولم يكن ذلك رحمة لهم.
حديث لعن الحكم ابن أبي العاص
ذكر البزار في مسنده
((لَيدخُلنَّ عليكُم رجلٌ لَعِينٌ. يعني: الحكم بن أبي العاص). أخرجه أحمد (2/163)، والبزار في "مسنده " (2/247))
بعد ذكر الامام الذهبي ترجمة الحكم ابن اأبي العاص , قال
(ويُروى في سبه أحاديث لم تصح)
ولم يفصل الذهبي بهذا القول , وأكتفى بهذه الجملة
الشيخ ناصر الدين الألباني تطرق الى هذه المسألة , وذكر هذه الرواية في السلسلة الصحيحة , ثم قال
(قلت: وهو إسناد صحيح على شرط مسلم)
هناك ردود كثيرة لبعض طلبة العلم حول هذا القول , يمكن يكون من أهمها أن الألباني قد صحح السند ولم يتطرق الى المتن , وهذا قول حقيقة قوي , ولكن لا يكون كافيا في الرد على المخالف .
لو سلمنا جدلا بصحة السند والمتن معنا , هل يستلزم من ذلك تكفير الحكم ابن أبن العاص ؟
الجواب لا طبعا
وقد بينت في المشاركات السابقة انه لا يستلزم من لعن شخص بعينه التكفير
أمر أخر ذكرنته في بداية الموضوع , وأكرره الأن .
عن عائشة. قالت:دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان. فكلمها بشيء لا أدري ما هو. فأغضباه. فلعنهما وسبهما. فلما خرجا قلت: يا رسول الله! من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان. قال "وما ذاك" قالت قلت: لعنتهما وسببتهما. قال "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم! إنما أنا بشر. فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا . مسلم
عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم! إنما أنا بشر. فأيما رجل من المسلمين سببته، أو لعنته، أو جلدته. فاجعلها له زكاة ورحمة". مسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه
:
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم فأيما مؤمن سببته، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة). البخاري
أما من مصادر القوم
جاء عن علاء عن محمد عن أبي جعفر
ع قال قال رسول الله ص اللهم إنما أنا بشر أغضب و أرضى و أيما مؤمن حرمته و أقصيته أو دعوت عليه فاجعله كفارة و طهورا و أيما كافر قربته أو حبوته أو أعطيته أو دعوت له و لا يكون لها أهلا فاجعل ذلك عليه عذابا و وبالا . بحار الانوار / ابواب القضاء / باب 8 جوامع احكام القضاء
فلو سلمنا جدلا بصحة الرواية سندا ومتنا , ما المانع بأن ننزل هذه الأحاديث الثابته من كتب السنة والشيعة على الحكم ابن أبي العاص , خصوصا ,ان لم يثبت على الحكم ردة بعد اسلام , ولا كفر , ولا نفاق , وقد عاش في خلافة أبوبكر وعمر وجزء من خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين , وقد قاتلو المرتدين , وكان عمر من أشد الناس على المنافقين , ومع هذا لم يثبت ولا بحديث صحيح أو ضعيف ردة الحكم ابن أبي العاص , أو اتهامه بالنفاق , فرضي الله عنه , وهو وان كان كما قال الذهبي , لديه أقل مرتبة من الصحبة , الا أنه يكفيه تشرفا أن أمن وتشرف بمبايعة النبي صل الله عليه وسلم بحياته .
هل ينفي هذا اللعن العدالة للصحابة
قمت بسؤال الشيخ الغالي الشيخ علي بن حسن الحلبي حفظه الله وسدده
فكان الجواب
لعن واحد ثبت بالنص ؛ هل هو كتعميم الحكم؟!
هذا باطل.
فالاستثناء الوارد على عموم القاعدة لا ينقضه
لا أزيد على ماقاله الشيخ , فالجواب مع أختصاره , الا أنه كافي ووافي لمن أراد الحق .
قصة طرد الحكم ابن أبي العاص
وردت هذه القصة ومفادها أن الحكم ابن أبي العاص كان يتجسس على النبي صل الله عليه وسلم
ذكر هذا القول الذهبي في سير أعلام النبلاء , ذكره بصغية التمريض , فقال (وقيل : كان يفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأبعده لذلك)
وقيل لاشك أنها من صيغ التمريض
علق شيخنا الكريم عثمان الخميس على قصة نفي الحكم ابن أبي العاص , قال
( هذا غير صحيح , لم يثبت أن النبي صل الله عليه وسلم مروان بن الحكم , أو الحكم ابن أبي العاص , ثم أن الحكم ابن أبي العاص من مسلمة الفتح , مسلمة الفتح ضلو في مكة لم يهاجرو , فالهجرة كانت واجبة قبل الفتح , لذلك قال النبي صل الله عليه وسلم , لا هجرة بعد الفتح , فجميع مشيخة قريش الذي اسلمو بعد الفتح لم يهاجرو , والنبي كان مقامه في المدينة , ولم يبقى في مكة الا خمسة عشر يوما عند فتح مكة , ثم لما جاء الى الحج , ولا يعقل أبدا أن الحكم أو غيره , بعد اسلامه يستهزء بالرسول , لا يمكن هذا أبدا , هذا كذب , ثم لايوجد اسناد صحيح , وكذلك عقلا لا تقبل , كذلك النفي لمدة طويلة , كيف نفاه وهو في مكة والنبي في المدينة , كذلك لايعلم نفي مدته طويله , لو قلنا ان النبي نفاه في السنة الأخيرة من حياته , يعني سنة , مع خلافة أبي بكر , سنتان , ثم خلافة عمر عشر سنوات , ثم أعاده عثمان , لنفرض جدلا أن عثمان أعاده منذ أول سنة في حكمه , بذلك يكون النفي , ثلاثة عشر سنة , لايوجد نفي لمدة ثلاثة عشر سنة , أقصى نفي في الشرع هو تغريب عام للزاني الغير محصن , وعلى كل حال , بما أن القصة لا تصح , يكفينا هذا الموضوع)
انتهى كلامه حفظه الله
والخلاصة ان هذه القصة باطلة سندا ومتنا
أما سندا فقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في منهاج السنة
(وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقالوا هو ذهب باختياره وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح ولا لها إسناد يعرف به أمرها)
وقال كذلك في موضوع أخر
(وأما قصة الحكم فعامة من ذكرها إنما ذكرها مرسلة وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه وقل أن يسلم لهم نقلهم من الزيادة والنقصان فلم يكن هنا نقل ثابت)
أما المتن , فباطل كما بينه شيخنا الشيخ عثمان الخميس حفظه الله وسدد خطاه.
والحمد لله رب آلعالمين .
لأبو يوسف السلفي