وجوب الامامة والادلة على ذلك
ان تنصيب الامام , وطاعته في يأمر به بالمعروف واجب شرعي قد دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب , والسنة , والاجماع , وذلك لان عدم وجود امام في الامة سببا في التسيب , والانحلال الامني , وعدم استقرار المجتمع وذلك يسبب فقدان الامن , والامان , ففي حالة عدم وجود من يراعي امر الدين , ويحث على ذلك , ويردع من يتعرض له , ويحل المنازعات , وينصف المظلوم من ظالمه , تكون الامة في هرج , ومرج , ويضيع الدين , فكل نص شرعي في القران الكريم , او في السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في تطبيق الحدود , او طاعة ولي الامر , او الحث على البيعة لولي الامر , او الاستنفار في الجهاد , او الرجوع الى القضاء الاسلامي , او الحكم بما انزل...... الخ , فكل هذه النصوص هي ادلة شرعية على وجوب تنصيب الامام في الامة , فمن هذه النصوص قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) : النساء } , فوجوب طاعة ولي الامر وجوب لوجوده , فلا يمكن ايجاب طاعة احد لا وجود له , وفي هذه الاية الكريمة ان ولاة الامر هم الامراء , والحكام كما ورد عن ابي هريرة رضي الله عنه , قال ابن ابي حاتم: " 5569- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: " " وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ " قَالَ: هُمُ الأُمَرَاءُ " تفسير ابن أبى حاتم - عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي - ج 4 ص 221
وقد قال العلامة احمد محمد شاكر عن هذه الرواية في تحقيقه لتفسير ابن جرير الطبري بعد ان اوردها الطبري : " 1 - الحديث: 9856 - هذا موقوف على أبي هريرة. وإسناده صحيح. ومعناه صحيح " تفسير الطبري – تحقيق الشيخ احمد محمد شاكر - ج 8 ص 497
وقال الامام ابن جرير الطبري في تفسير الاية بعد ان استعرض اقوال اهل العلم فيها: " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعةً، وللمسلمين مصلحة " تفسير الطبري – ابو جعفر محمد بن جرير الطبري - ج 8 ص 502
ومن الادلة ايضا قول الله تعالى : { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ (49) : المائدة } , فالخطاب في الاية الكريمة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم , وكل من يأتي من بعده ممن يحكم الامة من ولاة الامور , فيجب عليه ان يحكم بينهم بكتاب الله تعالى , وسنة رسوله صلى الله عليه واله وسلم , ويؤيد ذلك قول الله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) : المائدة } , ويؤيد ذلك ايضا , قوله تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) : المائدة } , فالايات كلها تدل على تحكيم ما انزل الله تعالى , ولا بد من وجود هذا الحاكم ليحكم بشرع الله تعالى , واعلى سلطة حاكمة في الامة بعد موت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هو امام المسلمين .
ومن الادلة ايضا ما جاء في صحيح الامام مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : " «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» " صحيح مسلم - بَابُ الْأَمْرِ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وتحذير الدعاة إلى الكفر – ج 3 ص 1478
فبما ان البيعة واجبة على المسلم لولي الامر , فانه يجب ان يكون هذا الامام موجودا في الامة , ويتم تنصيبه , وتعيينه وفق الشريعة .
ومن الادلة ما جاء عند الامام ابي داود بسند حسن صحيح كما قال العلامة الالباني من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : " إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ " صحيح وضعيف سنن أبي داود – محمد ناصر الدين الالباني - ج 6 ص 109
فاذا كان وجوب الامارة في السفر , وفي ثلاثة فقط حتى لا تتسيب الامور , فالوجوب في الحضر وفي مجتمع يحتوي على الملايين من باب اولى , فكلما كثر عدد الناس , وتباعدت المسافات , واتسعت رقعة بلاد الاسلام كان الحرص اكثر , والحاجة لتنظيم الامور اشد .
وهناك ادلة كثيرة في هذا الباب , وقد صرح اهل العلم بوجوب الامامة , وتنصيب الامام , وذكروا الادلة على ذلك , قال الامام ابن حزم رحمه الله :
" وَالْقُرْآن وَالسّنة قد ورد بِإِيجَاب الإِمَام من ذَلِك قَول الله تَعَالَى {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} مَعَ أَحَادِيث كَثِيرَة صِحَاح فِي طَاعَة الْأَئِمَّة وَإِيجَاب الْإِمَامَة " الفصل في الملل والاهواء والنحل - أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري – ج 4 ص 72
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية : " وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَفْضَلِ الْمَنَاهِجِ وَالشَّرَائِعِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الْكُتُبِ فَأَرْسَلَهُ إلَى خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَأَكْمَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ النِّعْمَةَ وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ إلَّا عَلَى مَنْ آمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا الْإِسْلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَمَنْ ابْتَغَى غَيْرَهُ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ. وَأَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَالْحَدِيدَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ؛ فَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} . وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِتَوْلِيَةِ وُلَاةِ أُمُورٍ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَ وُلَاةَ الْأُمُورِ أَنْ يَرُدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا؛ وَإِذَا حَكَمُوا بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " {إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ} ". وَفِي سُنَنِهِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ. وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " {لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَمَّرُوا أَحَدَهُمْ} ". فَإِذَا كَانَ قَدْ أَوْجَبَ فِي أَقَلِّ الْجَمَاعَاتِ وَأَقْصَرِ الِاجْتِمَاعَاتِ أَنْ يُوَلَّى أَحَدُهُمْ: كَانَ هَذَا تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ - لِمَنْ يَتَّخِذُهَا دِينًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ وَيَفْعَلُ فِيهَا الْوَاجِبَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ - مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى قَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {إنَّ أَحَبَّ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ إمَامٌ عَادِلٌ وَأَبْغَضَ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ إمَامٌ جَائِرٌ} " مجموع الفتاوى – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 28 ص 64 – 65
وقال ايضا : " يجب أن يعرف أن ولاية أمر النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ بَلْ لَا قيام للدين ولا للدنيا إلَّا بِهَا. فَإِنَّ بَنِي آدَمَ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَتُهُمْ إلَّا بِالِاجْتِمَاعِ لِحَاجَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ رَأْسٍ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ» . فَأَوْجَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِقُوَّةٍ وَإِمَارَةٍ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ الْجِهَادِ وَالْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْحَجِّ وَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ. وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقُوَّةِ وَالْإِمَارَةِ " السياسة الشرعية - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص 129
وقال الامام ابو الحسن الماوردي : " الْإِمَامَةُ: مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ شَذَّ عَنْهُمْ الْأَصَمُّ " الأحكام السلطانية - أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الماوردي – ص 15
وقال الامام النووي : " وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة " شرح صحيح مسلم – ابو زكريا يحيى بن شرف النووي - ج 12 ص 205
وقال ايضا : " قلت تولي الإمامة فرض كفاية فإن لم يكن من يصلح إلا واحدا تعين عليه ولزمه طلبها إن لم يبتدئوه والله اعلم " روضة الطالبين - ابو زكريا يحيى بن شرف النووي - ج 10 ص 43
وقال العلامة ابن خلدون : " ثم إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه وتسليم النظر إليه في أمورهم " مقدمة ابن خلدون - عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر محمد بن خلدون - ج 1 ص 98
وقال الامام القرطبي في في تفسير قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } , : " هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي نَصْبِ إِمَامٍ وَخَلِيفَةٍ يُسْمَعُ لَهُ وَيُطَاعُ، لِتَجْتَمِعَ بِهِ الْكَلِمَةُ، وَتَنْفُذُ بِهِ أَحْكَامُ الْخَلِيفَةِ. وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَلَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ الْأَصَمِّ حَيْثُ كَانَ عَنِ الشَّرِيعَةِ أَصَمَّ " تفسير القرطبي - أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي - ج 1 ص 164