تمزيق الثياب والخروج عريان وتمزيق القران
ويضيف بعض الصوفية إلى الرقص في السماع تمزيق الثياب وخرقها أيضاً كما ينقل الوزير لسان الدين بن الخطيب عن بعض الشيوخ :
" مرّ على خانقاه بالمشرق , فخرج إليه فقراء استدعوه إلى شيخها , فوجد جمعاً , فقال الشيخ : يا مغربي , حسن الظن بسمتك . وحكمناك في هذه الأحدوثة التي اجتمع لها الفقراء . وهي : أن هذا الفقير رقص وغلبه الوجد , وخطر له تمزيق ثيابه , فعدل عن عن جديد قريب عن ظاهره , إلى خلق كان باشر جسده فمزقه , فطالبه لمكان هذه البقية , قال : فقلت : يا مولانا . هذا الفقير لما طلب قلبه ولم يجده ليمزقه مزق أقرب الأشياء إليه وأشبهها به في الأخلاق والرقة , وفي مثل ذلك يقول الشاعر :
يفل غداّ جيش النوى عســـكر الــلقا فـرأيك في سمح الدموع موفـــقاً
وخد جرى عن كون جسمي سالــــماً وذرعي , ومن حقيهما أن يشققا
يدي لم تطق تمزيق جسمي لضعفها ولم يك قلبي حـــاضراً فيمزقـــــــا
فصاح الشيخ , وعاد الوجد , وقاموا إلى رقصهم [1] .
" حضرت مجلس الشيخ عبد القادر رضي الله عنه في سنة تسع وعشرين وخمسمائة وكنت في أخيريات الناس , وكان يتكلم في الزهد , قلت في نفسي : أريد أن يتكلم في المعرفة فقطع كلامه من الزهد وتكلم في المعرفة كلاماً ما سمعت مثله , فقلت في نفسي : أريد أن يتكلم في علم الغيبة والحضور فقطع كلامه من المعرفة وتكلم في الغيبة والحضور كلاماً ما سمعت مثله , فقلت في نفسي : أريد أن يتكلم في الشوق فقطع كلامه من الغيبة والحضور وتكلم كلاماً في الشوق ما سمعت مثله , فقلت في نفسي : أريد أن يتكلم في الفناء والبقاء فتكلم في الفناء والبقاء كلاماً ما سمعت مثله , ثم قال : حسبك يا أبا الحسن , فلم أتمالك أن مزقت ثيابي " [2] .
وحكى الشعراني عن أبي حفص الحداد النيسابوري أنه قيل له :
" إن فلاناً من أصحابك يدور حول السماع فإذا سمع بكى وصاح ومزّق ثيابه فقال :
أيش يعمل الغريق ؟
يتعلق بكل شيء يظن فيه نجاته [3] .
وذكر الشعراني أيضاً جمعاً من الصوفية مزقوا ثيابهم وخرجوا عرايا إلى الصحراء , فينقل عن الجيلي أنه رفع له شخص أدعى أنه يرى الله عز وجل بعيني رأسه , فقال : أحق ما يقولون عنك ؟
فقال : نعم , فانتهره ونهاه عن هذا القول وأخذ عليه أن لا يعود إليه , فقيل للشيخ : أمحقّ هذا أم مبطل ؟
فقال : هذا محق ملبس عليه , وذلك شهد ببصيرته نور الجمال ثم خرق من بصيرته إلى بصره لمعة فرأى بصره ببصيرته , وبصيرته يتصل شعاعها بنور شهوده فيظن أن بصره رأى ما شهده ببصيرته , وإنما رأى بصره ببصيرته فقط وهو لا يدري .
وكان جمع من المشايخ وأكابر العلماء حاضرين هذه الوقعة فأطربهم سماع هذا الكلام ودهشوا من حسن إفصاحه عن حال الرجل , ومزّق جماعة ثيابهم وخرجوا عرايا إلى الصحراء [4] .
وعلى ذلك كتب الهجويري :
" أعلم أن تخريق الثياب بين هذه الطائفة أمر معتاد , وقد فعلوا هذا في المجامع الكبرى التي كان المشايخ الكبار رضي الله عنهم حاضرين فيها " [5] .
وقد أباح الغزالي أيضاً تمزيق الثياب وتقطيعها حيث يقول :
" فإن قلت : فما تقول في تمزيق الصوفية الثياب الجديدة بعد سكون الوجد والفراغ من السماع فإنهم يمزقونها قطعاً صغاراً ويفرقونها على القوم ويسمونها الخرقة ؟ فأعلم أن ذلك مباح " [6] .
وأخيراً ننقل ما قاله الإمام ابن الجوزي في بيان الخرقة الصوفية فيقول :
" فإذا اشتد طربهم رموا ثيابهم على المغني فمنهم من يرمي بها صحاحاً ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها وقد احتج لهم بعض الجهال فقال هؤلاء فقال هؤلاء في غيبة فلا يلامون فإن موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجل رمى الألواح فكسرها ولم يدر ما صنع : والجواب أن نقول من يصحح عن موسى بأن رماها رمي كاسر والذي ذكر في القرآن ألقاها فحسب أين لنا أنها تكسرت , ثم ولو قيل تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا : كان في غيبة حتى لو كان بين يديه حينئذ بحر من نار لخاضه ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغني من غيره ويحذرون من بئر إن كانت عندهم , ثم كيف يقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء ولقد رأيت شاباً من الصوفية يمشي في الأسواق ويصيح و الغلمان يمشون خلفه وهو يبربر ويخرج إلى الجمعة فيصيح صيحات وهو يصلي الجمعة فسئلت عن صلاته , فقلت : إن كان وقت صياحه غائباً فقد بطل وضوءه وإن كان حاضراً فهو متصنع وكان هذا الرجل جلداً لا يعمل شيئاً . بل يدار له بزنبيل في كل يوم فيجمع له ما يأكل هو وأصحابه فهذه حالة المتأكلين لا المتوكلين . ثم لو قدرنا أن القوم يصيحون عن غيبة فإن تعرضهم لما يغطي على العقول من سماع ما يطرب منهي عنه كالتعرض لكل ما غالبه الأذى وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال خطأ وحرام وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال عن شق الجيوب فقال له قائل , فإنهم لا يعقلون ما يفعلون . قال إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما يدخل عليهم من التخريق وغيره مما يفسد ولا يسقط عنهم خطاب الشرع لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذه المواضع التي تفضي إلى ذلك كما هم منهيون عن شرب المساكر فإذا سكروا وجرى منهم إفساد الأموال لم يسقط الخطاب لسكرهم كذلك هذا الطرب الذي يسميه أهل التصوف وجداً إن صدقوا فيه فسكر طبع وإن كذبوا فتبيد ومع الصحو فلا سلامة فيه مع الحالين وتجنب مواضع الريب واجب . وأحتج لهم ابن طاهر في تخريقهم الثياب بحديث عائشة رضي الله عنها قالت : نصبت حجلة لي فيها رقم فمدها النبي صلى الله عليه وسلم فشقها .
فانظر إلى فقه هذا الرجل المسكين كيف يقيس حال من يمزق ثيابه فيفسدها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال على مد ستر ليحط فانشق لا عن قصد , أو كان عن قصد لأجل الصور التي كانت فيه : وهذا من الشديد في حق الشارع عن المنهيات كما أمر يكسر الدنان في الخمور فإن أدعى مخرق ثيابه أنه غائب قلنا الشيطان غيبك لأنك لو كنت مع الحق لحفظك فإن الحق لا يفسد " [7] .
وليس تمزيق الثياب فقط , بل القرآن الكريم أيضاً – وعياذاً بالله – كما نقل الجعلي الفضلي عن الصوفي السوداني مكي الدقلاشي " كان ولياً من أولياء الله تعالى وسافر إلى بلده وسلك الناس الطريق وأرشدهم , وظهرت على يديه الكرامات وخوارق العادات , جاء لزيارة شيخه فلم يجد المركب فمشى هو وجيرانه على الماء حتى خرجوا إلى الشاطئ الشرقي أبي حراز وظلم جيرانه رجل أسمه أزرق من جماعة شيخ أليس أدلى سنار ودخل في مسجد الملك قائمة عليه الحالة فمزّق مصحفاً وجده في طاقة فدخل الخطيب والقاضي على الملك فسألهما عن ذلك , فقالا له : رجل مجذوب , وحين سأله الملك عن ذلك قال شعراً :
أما من يوم قمت سموني الهائم مأذوناً لي لب أب جنا قائم
يا كاشر جيـب الصـــــلطية نطعن بها أهل الجبرية
وأومأ إلى الملك بإصبعه فزاغ , فقال لأصحابه : إن كان ما زغت فإن إصبعه يقدّ رأسي , قال الناس : هذا مكي الدقلاشي ظلمة زول لشيخ أليس , فأرسل الملك لشيخ أليس بردّ مظلمته وأهداه " [8] .
[1] روضة التعريف للوزير لسان الدين بن الخطيب ص 371 , 372 .
[3] طبقات الشعراني ج 1 ص 81 .
[4] طبقات الشعراني ج 1 ص 126 , 127 .
[5] كشف المحجوب للهجويري ص 665 .
[6] إحياء علوم الدين للغزالي ج 2 ص 279 .
[7] أنظر تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 252 , 253 ط دار القلم بيروت .
[8] كتاب الطبقات للجعلي الفضلي ص 157 .