الثاني: قول جمهور الشيعة الروافض:
يزعم كثير من الشيعة الروافض أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي غرس بذرة التشيع وتعهدها بالسقي حتى نمت وأينعت، يقول القمي:"فأوّل الفرق الشيعة، وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر المذحجي..وهم أوّل من سمّو باسم التشيع من هذه الأمة".(المقالات والفرق:القمي ص15). وإلى هذا الرأي مال النوبختي في كتابه: (فرق الشيعة ص17).
وقال بهذا الرأي طائفة من الشيعة المعاصرين منهم: (الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء:أصل الشيعة وأصولها: ص 185. ومحسن العاملي:أعيان الشيعة1/13، 16، محمد جواد مغنية:الإثنى عشرية وأهل البيت ص29، هاشم معروف:تاريخ الفقه الجعفري ص 105. هوية التشيع:الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، سلسلة الكتب العقائدية (37)إعداد مركز الأبحاث العقائدية ص60، الشيرازي:هكذا الشيعة ص4، محمد الحسني: في ظلال التشيع ص 50-51، محمد حسن الزين:الشيعة في التاريخ ص 29، 30. محمد حسين المظفر:تاريخ التشيع ص 18، محمد باقر الصدر:بحث حول الولاية ص63، أحمد تفاحة: أصول الدين ص 18، 19).
يقول محمد كاشف الغطاء":إنَ أول مَنْ وضع بذرة التشيُّع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة الإسلامية، يعني أنَّ بذرة التشيَّع وضعت مع بذرة الإسلام، جنباً إلى جنب، وسواء بسواء، ولم يزل غارسها بتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وأزهرت في حياته، ثمّ أثمرت بعد وفاته".(أصل الشيعة وأصولها: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء ص 185).
ويقول علامتهم المعاصر محمد باقر الصدر:"والحقيقة أنّ التشيع لم يكن في يوم من الأيام منذ ولادته مجرد اتجاه روحي بحت، وإنما ولد التشيع في أحضان الإسلام، بوصفه أطروحة مواصلة الإمام علي عليه السلام للقيادة بعد النبي فكريا واجتماعياً وسياسياً على السواء. التشيع ولم يكن بالإمكان بحكم هذه الظروف، أن يفصل الجانب الروحي عن الجانب السياسي في أطروحة التشيع تبعا لعدم انفصال أحدهما عن الآخر في الإسلام نفسه. فالتشيّع إذن لا يمكن أن يتجزأ إلا إذا فقد معناه كأطروحة لحماية مستقبل الدعوة بعد النبي صلى الله عليه وآله، وهو مستقبل بحاجة إلى المرجعية الفكرية والزعامة السياسية للتجربة الإسلامية معاً..نستطيع القول بكل تأكيد أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، قد قام بعملية الإعداد الرسالي التربوي والفكري لعلي بن أبي طالب عليه السلام منذ صدع بالوحي، وكان صلوات الله عليه يضع الخطوات العملية من أجل بلوغ الغاية المتوخاة من ذلك، وهي تولي علي للمهمة القيادة الاجتماعية والسياسية بعده مباشرة".(التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية:محمد باقر الصدر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1379هـ-1977م، ص90-95).
ويقول الشيخ محمد حسين المظفَّر:"فكانت الدعوة إلى التشيع لأبي الحسن عليه السلام من صاحب الرسالة تمشي منه جنباً لجنب مَعَ الدعوة للشهادتين".(تاريخ الشيعة:محمد حسين المظفَّر ص9).
ويقول الشيخ جعفر السبحاني: "إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي بذر بذرة التشيع لأول مرة، وغرس غرستها في قلوب الصحابة بتعاليمه السماوية المكرّرة، ونمت تلك الغرسة فيما بعد شيئاً فشيئاً، وعُرِف صحابةٌ كبارٌ كأبي ذرّ، وسلمان، والمقداد، باسم الشيعة". ( العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت: الشيخ جعفر السبحاني،سلسلة الكتب العقائدية ( 8 ) إعداد مركز الأبحاث العقائدية ص 182 ) .
الثالث: قول العلماء المحققين من أهل السنة وغيرهم:
نشأت فرقة الشيعة الإثنى عشرية عندما ظهر رجل يهودي اسمه عبد الله بن سبأ ادعى الإسلام، وزعم محبة أهل البيت، وغالى فـي علي رضي الله عنه، وادعى له الوصية بالخلافة ثمّ رفعه إلى مرتبة الألوهية، وهذا ما تعترف به الكتب الشيعية نفسها.
لقد اتفق المؤرخون، والمحدثون، وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل، والطبقات والأدب، والأنساب، الذين تعرضوا لفرقة السبئية على وجود عبد الله بن سبأ شخصية تاريخية حقيقية. وأخبار الفتنة فترة خلافة علي رضي الله عنه ودور اليهودي عبد ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري واستنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه، وإنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين، وفي ثنايا المصادر التاريخية وكتب الفرق والمقالات التي رصدت أحداث التاريخ ألإسلامي في تلك الفترة.
- يقول صاحب شرح العقيدة الطحاوية: "إن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق، قصده إبطال دين الإسلام، والقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ذكر ذلك العلماء. فإن عبد الله بن سبأ لما أظهر الإسلام، أراد أن يفسد دين الإسلام بمكره وخبثه، كما فعل بولس بدين النصرانية، فأظهر التنسك، ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتله، ثم لما قدم علي الكوفة أظهر الغلو في علي والنصر له، ليتمكن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك علياً، فطلب قتله، فهرب منه إلى قرقيس. وخبره معروف في التاريخ..وبقيت في نفوس المبطلين خمائر بدعة الخوارج من الحرورية والشيعة، ولهذا كان الرفض باب الزندقة، كما حكاه القاضي أبو بكر ابن الطيب عن الباطنية وكيفية إفسادهم لدين الإسلام، قال: فقالوا للداعي:يجب عليك إذا وجدت من تدعوه مسلماً أن تجعل التشيع عنده دينك وشعارك، واجعل المدخل من جهة ظلم السلف لعلي وقتلهم الحسين، والتبري من تيم وعدي، وبني أمية وبني العباس، وقال بالرجعة، وأن علياً يعلم الغيب! يفوض إليه خلق العالم!! وما أشبه ذلك من أعاجيب الشيعة وجهلهم، فإذا أنست من بعض الشيعة عند الدعوة إجابة ورشداً، أوقفته على مثالب علي وولده رضي الله عنهم. ولا شك أنه يتطرق من سب الصحابة إلى سب أهل البيت، ثم إلى سب الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ أهل بيته وأصحابه مثل هؤلاء عند الفاعلين الضالين.(شرح العقيدة الطحاوية:أبو العز الحنفي، مؤسسة الرسالة تحقيق شعيب الأرناؤوط، 1408هـ-1988م، 2/738-739).
- وقال أبو منصور البغدادي: السبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا فـي علي رضي الله عنه، وزعم أنه كان نبياً، ثم غلا فـيه حتى زعم أنه الله". وقال البغدادي كذلك: "وكان ابن السوداء –أي ابن سبأ- فـي الأصل يهوديا من أهل الحيرة، فأظهر الإسلام وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة، فذكر لهم أنه وجد فـي التوراة أن لكل نبي وصي وأن عليا، رضي الله عنه هو وصي محمد صلى الله عليه وسلم".(الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية: عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور، دار الآفاق الجديدة – بيروت- الطبعة الثانية، 1977ه ص223).
- وذكر عبد الكريم الشهرستاني:"السبئية:أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه: أنت أنت، يعني أنت الإله، فنفاه إلى المدائن، زعموا أنه كان يهوديا فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وصي موسى عليهما السلام مثل ما قال في علي رضي الله عنه وهو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه، ومنه انشعبت أصناف الغلاة... وهم أول فرقة قالت بالتوقف والغيبة والرجعة". (أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة- بيروت-1404ه، ص 190).
- قال بن حزم الأندلسي:"عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوء اليهودي الحميري لعنه الله ليضل من أمكنه من المسلمين فنهج لطائفة رذلة كانوا يتشيعون في علي رضي الله عنه أن يقولوا بإلهية علي". وقال:"عبد الله بن سبأ الحميري اليهودي فإنه لعنه الله أظهر الإسلام لكيد أهله فهو كان أصل إثارة الناس على عثمان رضي الله عنه وأحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه منهم طوائف أعلنوا بالإلهية".(الفصل في الملل والأهواء والنحل:أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي 1/128،199).
- ويقول المقدسي:"إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب:لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه".(البدء والتاريخ: المطهر بن طاهر المقدسي، مكتبة الثقافة الدينية، 5/125).
- ويقول ابن حبان المتوفى سنة (354هـ/965م):"وكان الكلبي محمد بن السائب الإخباري سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون:إن عليا لم يمت، وإنه راجعا إلى الدنيا قبل قيام الساعة، وإن رأوا سحابة قالوا:أمير المؤمنين فيها".(المجرحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين: ابن حبان، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الناشر دار الوعي، 1396هـ حلب، 2/253).
- جاء في مفتاح العلوم للخوارزمي المتوفى عام (387هـ/997م) :"السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ".(مفتاح العلوم:الخوارزمي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف، 1342هـ، إدارة الطباعة المنيرية، مصر، ص22).
- ويقول ابن قتيبة المتوفى عام (276هـ/889م):"السبئية من الرافضة، ينسبون إلى عبد الله بن سبأ".(عيون الأخبار:ابن قتيبة الدينوري، أبو محمد عبد الله، المعارف، دار الكتب العلمية، بيروت ص267).
- يقول الشيخ العلامة د.سليمان بن حمد العودة:"لقد ثبت لدي بالبحث العلمي وجود ثمان روايات...وكلها تتضافر على إثبات عبد الله بن سبأ والروايات مثبتة في تاريخ دمشق لابن عساكر، وقد صحح العلامة ناصر الدين الألباني رحمه الله إسناد عدد منها، وقمت بتحقيق في أسانيدها - رواية رواية - فثبت لي صحة إسناد معظمها في بحث لم أنشره بعد بعنوان [ابن سبأ والسبئية قراءة جديدة وتحقيق في النصوص القديمة".(الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ للتاريخ الإسلامي!! رد على حسن بن فرحان المالكي: د.سليمان بن حمد العودة ص7، وراجع بحثه القيم: (عبد الله بن سبأ وأثره أحداث الفتنة في صدر الإسلام، دار طيبة،الرَّياض، الطبعة الثالثة، 1412هـ).
- ويقول الباحث الدكتور ناصر القفاري:"هذه الأحداث فجرت عواطف المسلمين، فدخل الحاقدون من هذا الباب، ذلك أنّ آراء ابن سبأ لم تجد الجو الملائم؛ لتنمو وتنتشر إلا بعد تلك الأحداث.. لكن التشيع بمعنى عقيدة النص على علي، والرجعة، والبداء، والغيبة، وعصمة الأئمة..الخ، فلا شك أنها عقائد طارئة على الأمة، دخيلة على المسلمين، ترجع أصولها لعناصر مختلفة، ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد للإسلام، وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي، ونصراني، ومجوسي، وغيرهم. فدخل في التشيع كثير من الأفكار الأجنبية والدخيلة..ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم، واليونان، والنصارى، واليهود، وغيرهم أموراً مزجوها بالتشيع".(أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية عرض ونقد:الدكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري 1/51-52).
وما ذهب إليه المحققون من أهل السنة هو ما صرَّحت به الكتب والمصادر الشيعية المعتمدة عند القوم، فقال به علامتهم النوبختي فـي كتابه: (فرق الشيعة)، وقال به الكشي فـي كتابه المعروف بـ(رجال الكشي). والاعتراف سيد الأدلة، وهؤلاء جميعهم من كبار شيوخ الشيعة الإثنى عشرية.