فإن قيل: لو كان أمير المؤمنين منصوصا عليه لوجب أن يحتج به وينكر على من دفعه بيده ولسانه، ولما جاز أن يصلي معهم ولا أن ينكح سبيهم ولا يأخذ فيئهم ولا يجاهد معهم، وفي ثبوت جميع ذلك دليل على بطلان ما قلتموه. قلنا: المانع لأمير المؤمنين عليه السلام من الاحتجاج بالنص عليه الخوف بما ظهر له من الأمارات التي بانت له من إقدام القوم على طلب الأمر والاستبداد به واطراح عهد الرسول مع قرب عهدهم به وعزمهم على إخراج الأمر عن مستحقه، فأيسه ذلك من الانتفاع بالحجة وخاف أن يدعو النسخ لوقوع النص، فتكون البلية به أعظم والمحنة به أشد، ولا يتبين لكل أحد أن نسخ الشيء قبل فعله لا يجوز. وربما ادعوا أيضا أن ما ذكروا من النص لا أصل له فتعظم البلية، لأن النص الجلي لم يكن بمحضر الجمهور بل كان بمحضر جماعة لو نقلوه لانقطع بنقلهم الحجة، فلو جحدوه لدخلت الشبهة على الباقين. وأما ترك النكير عليهم باليد فلأنه لم يجد ناصرا ولا معينا، ولو تولاه بنفسه وخواصه لربما أدى إلى قتله وقتل أهله وخاصته، فلذلك عدل عنه، وقد بين عليه السلام ذلك بقوله: أما والله لو وجدت أعوانا لقاتلتهم. الاقتصاد للطوسي ص209
الشيعة أفضل من علي بن أبي طالب لأنهم يستدلون بولايته بأشياء هو لم يستدل بها فهل هو يجهلها أم أنهم يأتون بأشياء غير صحيحة؟
والثالث: أنه إنما دخلها تجويزا لأن يختارونه فيتمكن من القيام بالأمر، ومن له حق له أن يتوصل إليه بجميع الوجوه. فإن قيل: لو كان منصوصا عليه لكان دافعه ضالا مخطئا، وفي ذلك تضليل أكثر الأمة ونسبتهم إلى معاندة الرسول واطراح أمره، وذلك منفي قلنا: لا نقول أن جميع الصحابة دفعوا النص مع علمهم بذلك، وإنما كانوا بين طبقات: منهم من دفعه حسدا وطلبا للأمر، ومنهم من دخلت عليه الشبهة فظن أن الذي دفعوه لم يدفعوه إلا بعهد عهد الرسول " ع " وأمر عرفوه ومنها أنه لما روي لهم قوله " الأئمة من قريش " ظنوا أن الأخذ باللفظ العام أولى من الخاص فتركوا الخاص وعملوا بالعام، وبقي قوم على الحق متمسكين بما هم عليه [ فلم يمكنهم مخاصمة الجمهور ولا مخالفة الكل فبقوا متمسكين بما هم عليه ] ، قصاراهم أن ينقلوا ما علموه إلى أخلاقهم، فلا يجب من ذلك نسبة الأكثر إلى الضلال. الاقتصاد للطوسي ص211 - 212