شبهة الرسول يشك في النبي ابراهيم
روى البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم} قال : "نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : الله ( ) {تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى
هذا الحديث طعن فيه أعداء السنة والسيرة قديماً من أهل الأهواء والبدع، وزعموا أن فيه طعناً فى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام( ) وتابعهم حديثاً أذيالهم إذا يقول عبد الحسين شرف الدين الموسوى : "إن ، ولسائر الظاهر من قوله : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" ثبوت الشك لرسول الله الأنبياء، وأنهم جميعاً أولى به من إبراهيم، ولو فرض عدم إرادة الأنبياء جميعاً مما لابد منها…، والحديث نص صريح فى أنه أولى بالشك"( فإرادة رسول الله )
ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : إجماع الأمة على عصمة أنبياء الله عز وجل ورسله، من الكفر والشرك، والشك، ومن تسلط الشيطان عليهم، وأن تلك العصمة صفة أساسية فيهم، وشرطاً ضرورياً من شروط الرسالة، كما أنها جزء من الكمال البشرى الذى كملهم الله عز وجل به، حتى يبلغوا رسالة ربهم إلى أقوامهم، وقد سبق تفصيل ذلك فى من خلال القرآن والسنة( ) حقه
ثانياً : اتفاق علماء المسلمين على أن ظاهر : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" ليس مراداً، كما أنه ليس فى ظاهر هذ الشك فى قوله ، وعن إبراهيم وسائر أنبياء الله ورسله عليهم القول اعتراف بالشك، بل نفيه عن نفسه عليه الصلاة والسلام، إذ ما يجوز فى حق واحد منهم يجور فى حق الجميع
يقول : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" ليس المراد هاهنا بالشك م الحافظ ابن كثير : قوله قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف( )
وقال الإمام على القارى( ) : "ليس فى : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" اعترافاً منه بالشك لهما، بل نفى لأن يكون قوله إبراهيم عليه السلام شك"( )
"نحن أحق بالشك من ثالثاً : إن سبب قوله من قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم إبراهيم" على ما جاء فى الحديث ما ذكره ( ){رب أرنى كيف تحى الموت قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى}عليه السلام : وهذه الآية وما بعدها قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك، فأراد نفى هذا الشك عن سيدنا إبراهيم، وإبعاد للخواطر الضعيفة أن تظن هذا به عليه السلام
ويؤكد ذلك أنه ليس فى سؤال سيدنا إبراهيم عليه السلام ما يدل على أنه شك، إذ السؤال وقع بـ "كيف" الدالة على حال شئ موجود مقرر عند السائل والمسئول، كما تقول : كيف علم فلان؟ فكيف فى الآية، سؤال عن هيئة الإحياء، لا عن نفس الإحياء، فإنه ثابت مقرر لدى سيدنا إبراهيم عليه السلام( ) وهو ما شهد به رب العزة لسيدنا إبراهيم رداً على سؤاله، بقوله عز وجل: "أولم تؤمن" والاستفهام هنا تقريرى للمنفى، وهو الشك، كأنه قال له : ألست مؤمناً بالبعث؟ فكان جوابه عليه السلام بـ "بلى" لإثبات المنفى وهو الشك، والمعنى : أنا مؤمن بالبعث كما علمت ما فى قلبى، لكننى أريد أن يطمئن قلبى برؤية الكيفية فقط، واعتبر بذلك
فما شك إبراهيم عليه السلام، ولم يكن لديه أى شبهة فى قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، إذ لم يقل لله تعالى : أتستطيع أن تحى الموتى؟ وإنما أراد أن يرى الهيئة، كما أننا لا نشك فى وجود ، ثم يرغب من لم يرى ذلك منا، الفيل، والتمساح، والكسوف، وزيادة النهر، ورسول الله فى أن يرى كل ذلك، ولا يشك فى أنه حق، لكن ليرى العجب الذى يتمثله فى نفسه، ولم تقع عليه حاسة بصره قط( )
فواضح فى السؤال والجواب، أنه عليه السلام، لم يسأل لشك أو شبهة أو تردد وهذا ظاهر من سؤاله، إذ لم يقل لله تعالى : "هل تقدر أن تحى الموتى، أم لا تقدر؟
وهذا يشبه قولك لرسام كبير : دعنى أنظر إليك وأنت ترسم لوحة، أو لخطاط فنان : خط أمامى لكى أرى كيف تخط مثل هذه الخطوط الجميلة
فليس فى مثل هذا الطلب أى ناحية تعجيزية، بل هو تعبير عن الافتنان بفنه الجميل، واعتراف به، ولهفة على رؤية دقائق فنه، وسعادة كبيرة فى تأمل كيفية ظهور لوحة رائعة، مرحلة مرحلة. أجل : فالسؤال كان حول كيفية الإحياء، وليس حول إمكانيته أو عدم إمكانيته"( )
قلت : وكيف يشك من وصفه ربه عز وجل فى كتابه بقوله تعالى : وكذلك نرى}( ) وقوله سبحانه : {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} ( ) والرشد، والإيقان، اسمى{إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين مراتب العلم الذى لا يصح معه شك أو حتى شبهة!
وكيف يصح الشك، وقد وصفه ربه ( ) فبين رب العزة كما{وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم}تعالى بقوله : ترى أنه جاء ربه بقلب سليم، وإنما أراد به، أنه كان سليماً من الشك، وخالصاً للمعرفة واليقين، ثم ذكر المولى عز وجل، أنه عاب قومه على عبادة الأصنام فقال تعالى ( ) فسمى عبادتهم بأنها إفك وباطل، ثم{ماذا تعبدون. أإفكاً آلهة دون الله تريدون}: ( ) وهذا قول عارف بالله تعالى غير شاك! {فما ظنكم برب العالمين}قال سبحانه :
( ) شك فى البعث وإحياء الموتى؟! {رب أرنى كيف تحى الموتى}فكيف يكون قوله
الحديث حجة لنا لا علينا :
: "نحن أحق بالشك من ومن هنا كان قوله ، وهذ إبراهيم" حجة لنا إذ فيه نفى للشك عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، وعن نفسه ، "نحن أحق بالشك من إبراهيم" من أحسن الأقوال وأصحها وأرجحها عندى فى معنى قوله يقول : إن الشك مستحيل فى حق إبراهيم عليه السلام، فإن الشك فى إحياء فكأنه الموتى لو كان متطرقاً إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به من إبراهيم، لأن ما يجوز فى حق واحد من الأنبياء يجوز فى حقهم جميعهم، وقد علمتم أنى لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك!
بقوله : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" أن أو أراد يقول : إن هذا الذى تظنونه شكاً، أنا أولى به، ولكنه ليس بشك، وإنما هو طلب لمزيد اليقين
وهذا الكلام مما جرت به العادة فى المخاطبة، لمن أراد أن يدفع عن آخر لا تقل ذلك شيئاً، قال : مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لى، ومقصوده
وإنما خص إبراهيم عليه السلام، لكون الآية قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة، منها احتمال ، تواضعاً وأدباً، أو قبل أن يعلم الشك، وإنما رجح إبراهيم عليه السلام على نفسه أنه خير وسيد ولد آدم عليه السلام( )
هذا : وقيل غير ذلك من الأقوال فى توجيه : "نحن أحق بالشك من إبراهيم" لكنها أقوال ضعيفة( ) ومن هنا اقتصرت على ذكر قوله ما سبق منها، لكونها أصحها، وأوضحها، وأرجحها أهـ