شبهة الرسول حاول الانتحار
قالوا: مات ورقةٌ بنُ نوفل ، و فتر الوحي ، و حاول محمدٌ رسول الإسلام الانتحار مرارًا !! ثم ذكروا ما جاء في صحيح البخاري كِتَاب ( التَّعْبِيرِ) بَاب (أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) برقم 6467 .... ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِيُّ rفِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ .
الرد على الشبهة
أولاً: إن هذا البلاغ الذي جاء في صحيحِ البخاري وفيه أن النبيَّ rحاول الانتحار بسببِ موتِ ورقة بن نوفل وانقطاعِ الوحي عنه r... لا يصح ؛قال بذلك علماءٌ أجلاءٌ منهم:
أولاً: الشيخُ الألباني - رحمه الله – ذكر تلك الرواية وقام بتفنيدها تفنيدًا ،وذلك في كتابِه (دفاع عن الحديث النبوي ج 1/ ص 40) برقم 2 -قال ( 1 / 55 ) : ( وجزع النبيr بسبب ذلك جزعا عظيما حتى أنه كان يحاول - كما يروي الإمام البخاري - أن يتردى من شواهق الجبال ) قلت : هذا العزو للبخاري خطأ فاحش ذلك لأنه يوهم أن قصة التردي هذه صحيحة على شرط البخاري وليس كذلك وبيانه أن البخاري أخرجها في آخر حديث عائشة في بدء الوحي الذي ساقه الدكتور ( 1 / 51 - 53 ) وهو عند البخاري في أول ( التعبير ) ( 12 / 297 - 304 فتح ) من طريق معمر : قال الزهري : فأخبرني عروة عن عائشة . . . فساق الحديث إلى قوله : ( وفتر الوحي ) وزاد الزهري : ( حتى حزن النبي r- فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقى منه نفسه تبدى له [ 40 ] جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك ) وهكذا أخرجه بهذه الزيادة أحمد ( 6 / 232 - 233 ) وأبو نعيم في ( الدلائل ) ( ص 68 - 69 ) والبيهقي في ( الدلائل ) ( 1 / 393 - 395 ) من طريق عبد الرزاق عن معمر به ومن هذه الطريق أخرجه مسلم ( 1 / 98 ) لكنه لم يسق لفظه وإنما أحال به على لفظ رواية يونس عن ابن شهاب وليس فيه الزيادة وكذلك أخرجه مسلم و أحمد ( 6 / 223 ) من طريق عقيل بن خالد : قال ابن شهاب به دون الزيادة وكذلك أخرجه البخاري في أول الصحيح عن عقيل به>
قلت : ونستنتج مما سبق أن لهذه الزيادة علتين :
الأولى : تفرد معمر بها دون يونس وعقيل فهي شاذة .
الأخرى : أنها مرسلة معضلة فإن القائل : ( فيما بلغنا ) إنما هو الزهري كما هو ظاهر من السياق وبذلك جزم الحافظ في ( الفتح ) ( 12 / 302 (
وقال : ( وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا )
قلت : وهذا مما غفل عنه الدكتور أو جهله فظن أن كل حرف في ( صحيح البخاري ) هو على شرطه في الصحة ولعله لا يفرق بين الحديث المسند فيه والمعلق كما لم يفرق بين الحديث الموصول فيه والحديث المرسل الذي جاء فيه عرضا كحديث عائشة هذا الذي جاءت في آخره هذه الزيادة المرسلة .
واعلم أن هذه الزيادة لم تأت من طريق موصولة يحتج بها كما بينته في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) برقم ( 4858 ) وأشرت إلى ذلك في التعليق على ( مختصري لصحيح البخاري ) ( 1 / 5 ) يسر الله تمام طبعه[ 41 [
ثانيًا: الدكتور عبد الصبور مرزوق كتب في كتاب (حقائق الإسلام في مواجهةِ شبهات المشككين) ما نصه : الحق الذي يجب أن يقال... أن هذه الرواية التي استندتم إليها ـ يا خصوم الإسلام ـ ليست صحيحة رغم ورودها في صحيح البخاري ـ رحمه اللهُ ـ ؛ لأنه أوردها لا على أنها واقعة صحيحة ، ولكن أوردها تحت عنوان " البلاغات " يعنى أنه بلغه هذا الخبر مجرد بلاغ ، ومعروف أن البلاغات في مصطلح علماء الحديث: إنما هي مجرد أخبار وليست أحاديث صحيحة السند أو المتن (صحيح البخاري ج9 ص 38 ، طبعة التعاون (
وقد علق الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني في فتح الباري (ج12 ص 376) بقوله: " إن القائل بلغنا كذا هو الزهري، وعنه حكى البخاري هذا البلاغ ،وليس هذا البلاغ موصولاً برسول الله r، وقال الكرماني : وهذا هو الظاهر " .
هذا هو الصواب ، وحاش أن يقدم رسول الله r ـ وهو إمام المؤمنين ـ على الانتحار ، أو حتى على مجرد التفكير فيه. وعلى كلٍ فإن محمدًا r كان بشرًا من البشر ولم يكن ملكاً ولا مدعيًا للألوهية.
والجانب البشرى فيه يعتبر ميزة كان r يعتني بها ، وقد قال القرآن الكريم في ذلك : ]قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً [ ( الإسراء 93 ).
ومن ثم فإذا أصابه بعض الحزن أو الإحساس بمشاعر ما نسميه - في علوم عصرنا - بالإحباط أو الضيق فهذا أمر عادى لا غبار عليه ؛ لأنه من أعراض بشريته r .
وحين فتر (تأخر) الوحي بعد أن تعلق به الرسول r كان يذهب إلى المكان الذي كان ينزل عليه الوحي فيه يستشرف لقاء جبريل ، فهو محبّ للمكان الذي جمع بينه وبين حبيبه بشيء من بعض السكن والطمأنينة ، فماذا في ذلك أيها الظالمون دائماً لمحمدٍ r في كل ما يأتي وما يدع ؟
وإذا كان أعداء محمد r يستندون إلى الآية الكريمة: ]فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)[ (الكهف). فالآية لا تشير أبداً إلى معنى الانتحار ، ولكنها تعبير أدبي عن حزن النَّبِيِّ محمد r بسبب صدود قومه عن الإسلام ، وإعراضهم عن الإيمان بالقرآن العظيم ؛ فتصور كيف كان اهتمام الرسول الكريم r بدعوة الناس إلى الله U، وحرصه الشديد على إخراج الكافرين من الظلمات إلى النور.
وهذا خاطر طبيعي للنبيِّ الإنسان البشر الذي يعلن القرآن على لسانه r اعترافه واعتزازه بأنه بشر في قوله - رداً على ما طلبه منه بعض المشركين -: ] وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً ]90[ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ]91[أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ و َالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً]92[أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولا [(الإسراء).
فكان رده :سبحان ربى) متعجباً مما طلبوه، ومؤكداً أنه بشرٌ لا يملك تنفيذ مطلبهم : ]هل كنت إلا بشراً رسولاً[ (الإسراء 93).
أما قولهم على محمدٍ r أنه ليست له معجزة فهو قول يعبر عن الجهل والحمق معًا.
حيث ثبت في صحيح الأخبار معجزات حسية تمثل معجزة الرسول r ، كما جاءت الرسل بالمعجزات من عند ربها ؛ منها نبع الماء من بين أصابعه ، ومنها سماع حنين الجذع أمام الناس يوم الجمعة ، ومنها تكثير الطعام حتى يكفى الجم الغفير ، وله معجزة دائمة هي معجزة الرسالة وهى القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه فَحُفِظَ ، ووعد ببيانه ؛ لذا يظهر بيانه في كل جيل بما يكتشفه الإنسان ويعرفه.
ثانيًا : إن هذه الرواية لا يصح رفعها إلى النَّبِيِّr كما تقدم معنا ، ومع كلٍّ افترض جدلاً أنها صحيحة ، وحاول النبيُّ r الانتحارَ لانقطاعِ الوحي عنه ، أقول :بأن هذه الرواية لا تخدم المعترضين بحالٍ من الأحوالِ بل تدل على صدقِ نبوتِه ورسالتِه r ، وتدل على أن الوحي فعلاً من عند اللهِ I وليس اختراعًا منه r ؛ فلو كان اختراعًا منه ما حاول الانتحار لما انقطع عنه الوحي !!
وأسأل المعترضين سؤالاً هو: من الذي منع النبيَّ r من محاولة الانتحار بحسب ما جاء في الرواية ؟
الجواب : إنه جبريل وهو ملك من عند الله I ..
إذًا محمدٌ r رسولٌ من عند اللهِ I يوحى إليه بواسطة جبريل u ...
خلاصة القول / ان الروايه مرسله من طريق الزهري رحمه الله , الزهري تابعي ولم يدرك عائشة رضي الله عنها وفي بداية الروايه قال فيما بلغنا فالروايه هذي من البلاغات لا تصح