طريق إثبات الصحبة
طريق إثبات الصحبة للرسول صلى الله عليه وسلم ..
نقول وبالله التوفيق : هناك طريقتين لإثبات الصحبة :-
الطريقة الأولى : إثبات الصحبة بالنص أي بالخبر
و تحته أنواع :-
1- القرآن الكريم : و ذلك مثل قوله تعالى{ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}التوبة/40 . فهذا النص يثبت صحبة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، حيث استقر الإجماع بأن المعني بالصاحب في هذه الآية هو أبو بكر رضي الله عنه . تفسير الرازي (16/65) .
2 - الخبر المتواتر : و ذلك كما في صحبة العشرة المبشرين بالجنة ، فقد تواترت الأخبار بثبوت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم . راجع الحديث في سنن الترمذي (3/311-312) .
3 - الخبر المشهور ، كما في صحبة عكاشة بن محصن و أبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري وغيرهم الكثير ممن لا يرتاب مسلم في إثبات الصحبة لهم . راجع دراسات تاريخية في رجال الحديث (ص 39) .
4 - الخبر الآحاد : و يدخل تحته أربع طرق :-
أ - رواية أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الرؤية أو السماع ، مع معاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، كأن يقول أحد التابعين : أخبرني فلان أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ، أو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كذا ، كقول الزهري فيما رواه البخاري في فتح مكة من صحيحه . راجع صحيح البخاري كتاب المغازي (3/64) . و من الذين قالوا بهذه الطريقة ابن كثير في الباعث الحثيث (ص 190) والسخاوي في فتح المغيث (3/97) .
ب - إخبار الصحابي عن نفسه أنه صحابي ، و قد افترق العلماء في هذا الطريق إلى أربع مذاهب :
المذهب الأول : أنه يقبل قوله مطلقاً من غير شرط ، وجرى على ذلك ابن عبد البر كما نقله السخاوي في فتح المغيث (3/99) .
المذهب الثاني : أنه يقبل قوله بشرطين :-
الأول : أن يكون ذلك بعد ثبوت عدالته .
الثاني : أن يكون بعد ثبوت معاصرته للنبي صلى الله عليه وسلم .
و ممن جرى على ذلك و جزم به : جمهور علماء الأصول والحديث . راجع : شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/479) ، و المختصر في أصول الفقه لابن اللحام (ص 89) و جمع الجوامع للسبكي (2/167) و شرح الألفية للعراقي (3/11) وابن حجر في الإصابة (1/ والسخاوي في فتح المغيث (3/97) و غيرهم الكثير . و العلة في صحة قبول إخباره عن نفسه أنه صحابي ، أنه لو أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قبلنا روايته ، فلأن نقبل خبره عن نفسه أنه صحابي من باب أولى . راجع شرح الكوكب المنير لابن النجار (2/479) .
والمعاصرة التي اشترطوها في إثبات الصحبة هي : المعاصرة الممكنة شرعاً ، وإنما تكون المعاصرة للنبي صلى الله عليه وسلم ممكنة شرعاً إذا ادعى الصحبة في حدود مائة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/8 ) ، و ذلك لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في آخر حياته لأصحابه : أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد يقصد من أصحابه - . البخاري (1/33-34) و مسلم برقم (1965) .
ومن هنا يتبين أن من ادعى الصحبة وكانت المعاصرة غير ممكنة ، فإنه لا يقبل قوله ويعتبر في ذلك من الكذابين ، راجع الأمثلة على من ادعى أنه صحابي و ظهر كذبه : الإصابة (1/9) و محاضرات في علوم الحديث (1/138-139) و دراسات تاريخية (ص 46) .
المذهب الثالث : عدم قبول إنه صحابي ، و جرى على هذا القول ابن القطان كما نقل عنه ذلك الشوكاني في إرشاد الفحول (ص 71) ، و به قال أبو عبد الله الصيرمي من الحنفية ، كما ذكره ابن النجار في شرح الكوكب المنير (2/479) . و أيضاً ممن يرى ذلك الإمام البلقيني في محاسن الاصطلاح (ص 427) ، و غيرهم .
و عللوا ذلك : أنه متهم بأنه يدعي رتبة عالية يثبتها لنفسه ، و هي منصب الصحابة ، والإنسان مجبول على طلبها قصداً للشرف . راجع : البلبل (ص 62) و شرح مختصر الروضة (2/13) وتيسير التحرير ( 3/67) و غيرهم الكثير .
المذهب الرابع : قالوا بالتفصيل في ذلك ، فمن ادعى الصحبة القصيرة قبل منه ، لأنها مما يتعذر إثباتها بالنقل ، إذ ربما لا يحضره حاله اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، أو رؤيته له أحد ، و من ادعى الصحبة الطويلة و كثرة التردد في السفر والحضر ، فلا يقبل منه ذلك ؛ لأن مثل ذلك يشاهد و ينقل و يشتهر ، فلا تثبت صحبته بقوله ، كما قال بذلك السخاوي في فتح المغيث (3/98-99) .
جـ - قول أحد الصحابة بصحبة آخر :
و هو إما أن يكون بالتصريح ، كأن يقول الصحابي : إن فلاناً صحابي ، أو من الأصحاب ، أو ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم .
وإما أن يكون بطريق اللزوم ، كأن يقول : كنت أنا وفلان عند النبي ، أو سمع معي هذا الحديث فلان من النبي ، أو دخلت أنا وفلان على النبي صلى الله عليه وسلم .
غير أن هذا الطريق الأخير إنما يثبت فيه الصحبة إذا عرف إسلام المذكور في تلك الحالة ، كما قال السخاوي في فتح المغيث (3/96) . و مثلوا ذلك بصحبة حمحمة بن أبي حمحمة الدوسي الذي مات بأصبهان ، فشهد له أبو موسى الأشعري . راجع : ذكر أخبار أصبهان لأبي نعيم (1/71) و الإصابة (1/355) وأسد الغابة (2/58-59) .
و يعلل لقبول قول الصحابي في آخر أنه صحابي : بأن الصحابي عدل فإن صح لناأن نقبل قوله حين يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلأن نقبل قوله حين يخبر أن فلاناً صحابي من باب أولى .
د - إخبار أحد التابعين الموثقين عند أهل الحديث بأن فلاناً صحابي :
اختلف العلماء من المحدثين والأصوليين في ذلك ، فذهب جماعة منهم إلى قبول قوله ، و منهم الإمام السخاوي في فتح المغيث (3/96) والحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ ، و غيرهم . و ذهب جماعة آخرون إلى أنه لا يقبل قوله ، و لا يثبت به صحبة من أخبر عنه ، و ممن ذهب إلى ذلك بعض شراح اللمع على ما ذكره الإمام السخاوي في فتح المغيث (3/99) .
و كانت حجتهم في هذا النفي أن التزكية إذا صدرت من مزك واحد غير مقبولة ، بل لابد فيها من اثنين ، لأن التزكية تلحق بالشهادة ، فكما أن الشهادة لا تصح ولا تتحقق إلا بمتعدد اثنين فأكثر ، فكذلك التزكية لا تقبل إلا من اثنين فأكثر ، ولأن اشترط التعدد في المزكي أولى وأحوط من الإفراد ، إذ فيه زيادة ثقة . راجع تيسير التحرير (3/58) .
والقول الراجح إن شاء الله : هو في ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من قبول تزكية التابعي الواحد : أن فلاناً صحابي . و قد أجابوا عما ذكره النافون بما يلي :-
1 - إن التزكية تتنزل منزلة الحكم ، فلا يشترط فيها العدد ، بخلاف الشهادة فإنها تكون عند الحكم فلا بد فيها من العدد ، فلا يصح إلحاق التزكية بالشهادة . نزهة النظر (ص 134) .
2 - إن التزكية إن كانت صادرة عن اجتهاد المزكي فهي بمنزلة الحكم ، و حينئذ لا يشترط التعدد في المزكي ، لأنه بمنزلة الحكم .
3 - أن المزكي يكتفى فيه بواحد ، لأنه بمثابة الخبر ، و كما يصح قبول خبر الواحد ، فكذلك يقبل قول المزكي ، لأنه بمنزلته . شرح الألفية للعراقي (1/295) .
4 - أن اعتبار الواحد في الجرح والتعديل أصل متفق عليه ، واعتبار ضم قول غيره إليه يستدعي دليلاً والأصل عدمه . الإحكام للآمدي (1/271) .
5 - ينبغي القول بعدم اشتراط التعدد في المزكي ، لأن اشتراط التعدد قد يؤدي إلى تضييع بعض الأحكام ، فكان عدم التعدد أولى وأحوط . تيسير التحرير (3/58) .
الطريق الثاني : إثبات الصحبة بعلامة من العلامات :
العلامة الأولى : أن يكون من يدّعي الصحبة قد تولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عزوة من غزواته ، و ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يؤمّر على عزوة من غزواته إلا من كان من أصحابه . انظر : محاضرات في علوم الحديث (1/140) و المختصر في علم رجال الأثر (ص 27) .
العلامة الثانية : أن يكون المدعي صحبته ممن أمّره أحد الخلفاء الراشدين على إحدى المغازي في حروب الردة والفتوح . الإصابة (1/9) .
العلامة الثالثة : أن يكون المدعي صحبته قد ثبت أن له ابناً حنكه النبي صلى الله عليه وسلم ، أو مسح على رأسه ، أو دعا له ، فإنه كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له ، كما أخرجه الحاكم عن عبدالرحمن بن عوف على ما ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/9) . وانظر صحيح مسلم (1/237) .
العلامة الرابعة : أن يكون من يدعي صحبته ممن كان بمكة أو الطائف سنة عشر من الهجرة ، إذ من المعلوم عند المحدثين أن كل من كان بمكة أو الطائف سنة عشر قد أسلم و حج مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، فيكون من الصحابة . الإصابة (1/9) و محاضرات في علوم الحديث (1/139) ، و في هذه العلامة نظر ؛ لأنه وإن سلّم بإسلامهم جميعاً ، فإنه لا يسلّم بأن جميعهم حجوا معه صلى الله عليه وسلم .
العلامة الخامسة : أن يكون من يدعي صحبته من الأوس أو الخزرج الذين كانوا بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ثبت أنهم دخلوا في الإسلام جميعاً ، و لم يثبت عن أحد منهم أنه ارتد عن الإسلام . الإصابة (1/ و محاضرات في علوم الحديث (1/139) . قلعة اهل السنه في 11:35 ص