الأصل الأول:علم الأئمة يتحقق عن طريق الإلهام والوحي
علم الأئمة يتحقق عند الشيعة عن طريق الإلهام، وحقيقته كما قال صاحب الكافـي فـي روايته عن أئمته:"النكت فـي القلوب".(أصول الكافـي 1/264)، وفـي لفظ آخر له:"فقذف فـي القلوب". وصرَّح أن ذلك هو الإلهام حيث قال: "وأما النكت فـي القلوب فإلهام".(أصول الكافـي1/264)، أي أن العلم ينقدح فـي قلب الإمام فـيلهم القول الذي لا يتصور فـيه الخطأ لأن الإمام معصوم، والإلهام ليس هو الوسيلة الوحيدة فـي هذا، كما حاول أن يلطف من الأمر ذلك الشيعي المعاصر الذي نقلنا كلامه آنفاً، بل صرّح صاحب الكافـي فـي أن هناك طرقاً أخرى غيره، حيث ذكر فـي بعض رواياته أن من وجوه علوم الأئمة "النقر فـي الأسماع" من قبل الملك، وفرّق بين هذا والإلهام حيث قال: "وأما النكت فـي القلوب فإلهام، وأما النقر فـي الأسماع فأمر الملك".(أصول الكافـي1/264).
إذن هناك وسيلة أخرى غير الإلهام، وهو نقر فـي الأسماع بتحديث الملك. (المازندراني: شرح جامع على الكافـي 6/44)، وهو يسمع الصوت ولا يرى الملك كما جاء فـي الروايات الأربع فـي باب الفرق بين الرسول والنبي والمحدّث من أصول الكافـي، وكلها قالت: إن "الإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص".(انظر أصول الكافـي1/176-177، وقد صحَّح هذه الروايات صاحب الشافـي شرح الكافـي3/29). وذكر صاحب بحار الأنوار خمس عشرة رواية فـي هذا المعنى فـي باب عقدة بعنوان:"باب أنهم محدثون مفهمون".(بحار الأنوار:المجلسي26/73 وما بعدها).
وتتحدث رواية أخرى لهم عن أنواع الوحي للإمام فتذكر أن جعفراً قال:"إنَّ منَّا لمن ينكت فـي أذنه، وإنَّ منَّا لمن يؤتى فـي منامه، وإن منا لمن يسمع صوت السلسلة تقع على الطشت (كذا)، وإنَ منَّا لمن يأتيه صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل"(بحار الأنوار:26/358، بصائر الدرجات ص63).
وثمة روايات أخرى فـي بحار الأنوار بهذا المعنى (بحار الأنوار: 26/35 وما بعدها، الروايات رقم: 110، 111، 112، 130). وكأنهم بهذا المقام أرفع من النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يأتيه إلا جبرائيل، وتأتي روايات تبين هذه الصورة التي أعظم من جبرائيل وميكائيل بأنَّها الروح، وقد ورد فـي معاني الأخبار لابن بابويه تفسير للروح عندهم بأنَّها كما يقول إمامهم:"عمود من نور بيننا وبين الله عز وجل".(عيون أخبار الرضا: أبو جعفر الصدوق محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى صححه وقدم له وعلق عليه الشيخ حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت- 1/217)، وقد خصها الكليني في الكافـي بباب مستقل بعنوان:"باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة"، وذكر فـيها ست روايات(أصول الكافـي1/273-274)، منها:"عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله تبارك وتعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ) قال: خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده".
ومعلوم أنّ الروح فـي هذه الآية المراد بها القرآن الكريم، كما يدلّ عليه لفظ الآية (أَوْحَيْنَا)، وقد سماه الله سبحانه روحاً لتوقف الحياة الحقيقية على الاهتداء به.(شرح الطحاوية في العقيدة السلفية: ابن أبي العز الحنفي، تحقيق أحمد محمد شاكر، نشر وكالة الطباعة والترجمة في الرئاسة العامة لإدارات البحوث 1/264).
إذن الإمام عند الشيعة يلهم، ويسمع صوت الملك، ويأتيه الملك فـي المنام واليقظة، وفـي بيته ومجلسه، أو يرسل له ما هو أعظم من جبرائيل يخبره ويسدده، وليس ذلك نهاية الأمر، بل لدى الأئمة أرواح أخرى، ووسائل أخرى؛ لديهم خمسة أرواح: روح القدس، وروح الإيمان، وروح الحياة، وروح القوة، وروح الشهوة. ذكر ذلك الهراء الكليني في الكافـي فـي باب بعنوان: "باب فـيه ذكر الأرواح التي فـي الأئمة عليهم السلام".(أصول الكافي 1/271). فذكر فـي ذلك ست روايات، بينما تطورت هذه المسألة عند صاحب المجلسي بحار الأنوار فبلغت رواياتها (74) رواية.(بحار الأنوار: المجلسي 25/47-99). بل إنّ الأئمة تذهب إلى عرش الرحمن- كما يزعمون- كل جمعة لتطوف به فتأخذ من العلم ما شاءت. قال أبو عبد الله: "إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى الله عليه وآله العرش ووافى الأئمة عليهم السلام معه ووافـينا معهم، فلا ترد أرواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأنفذنا".(أصول الكافـي1/254، بحار الأنوار26/88-89، بصائر الدرجاتص36).
كل هذه العلوم التي تتحقق لأئمة الشيعة بهذه الوسائل يسمونها:"العلم الحادث" (انظر:أصول الكافـي1/264)، وتحققها موقوف على مشيئة الأئمة، كما أكدَّت ذلك روايات الكافـي التي جاءت فـي الباب الذي عقده بعنوان:"باب أن الأئمة عليهم السلام إذا شاءوا أن يعلموا علموا" (أصول الكافي 1/258)، وذكر فـيه روايات ثلاثاً كلها تنطق بأن الإمام:إذا شاء أن يعلم أعلم".(أصول الكافـي1/258)، وفـي لفظ آخر:"إذ أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك".(أصول الكافي 1/258). فالوحي للأئمة ليس بمشيئة الله وحده كما هو الحال مع الرسل عليهم السلام بل تابع لمشيئة الإمام!!
الأصل الثاني: خزن العلم وإيداع الشريعة عند الأئمة:
جاء فـي الكافـي عن موسى جعفر قال- كما يزعمون-:"مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض، وغابر، وحادث، فأما الماضي: فمفسّر، وأما الغابر: فمزبور، وأما الحادث: فقذف فـي القلوب ونقر فـي الأسماع، وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبيا".(أصول الكافـي1/264. وقد جاء فـي رواية أخرى لهم قول إمامهم:"أما الغابر فالعلم بما يكون، وأما المزبور: فالعلم بما كان".(انظر: بحار الأنوار 26/18، المفـيد:الإرشاد ص 257، الطبرسي:الاحتجاج ص203). وهذا التفسير كأنه يشير إلى موضوع كل نوع، فنوع يتعلق بالحوادث الماضية، وآخر يتعلق بالحوادث المستقبلة". وفـي بحار الأنوار، وبصائر الدرجات ثلاث روايات بهذا اللفظ. (بحار الأنوار: 26/59، وبصائر الدرجات ص 92).
العلم الحادث: هو كما أشارت الرواية يعد من أفضل علومهم، لأنه كما يقول بعض شيوخهم: حصل لهم من الله بلا واسطة.(المازندراني:شرح جامع6/44)؛ أي من الله مباشرة بلا واسطة ملك من الملائكة، وهذا يشبه قول غلاة الصوفـية مثل ابن عربي.أما الماضي المفسّر والغابر المزور فقد أوضح شارح الكافـي معناهما بقوله: "يعني:الماضي الذي تعلق علمنا به وهو كل ما كان مفسراً لنا بالتفسير النبوي، والغابر المزبور الذي تعلق علمنا به هو كل ما يكون مزبوراً مكتوباً عندنا بخط علي رضي الله عنه وإملاء الرسول، وإملاء الملائكة، مثل الجامعة وغيرها".
وقد قال شيخهم وآيتهم محمد بن حسين آل كاشف الغطا:إنّ الأحكام فـي الإسلام قسمان:قسم أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، وقسم كتمه أودعه أوصياءه، كل وصي يخرج منه ما يحتاجه الناس فـي وقته ثم يعهد به إلى من بعده، حتى زعم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد يذكر حكماً عاماً، ولا يذكر مخصصه أصلاً؛ بل يودعه عند وصيه إلى وقته.(انظر:أصل الشيعة وأصولها: ص77).
وقال شيخهم المعاصر بحر العلوم:"لما كان الكتاب العزيز متكفلاً بالقواعد العامة دون الدخول فـي تفصيلاتها، احتاجوا إلى سنة النبي..والسنة لم يكمل بها التشريع!!، لأن كثيراً من الحوادث المستجدة لم تكن على عهده صلى الله عليه وسلم احتاج أن يدخر علمها عند أوصيائه ليؤدوها عنه فـي أوقاتها"(مصابيح الأصول: بحر العلوم ص4).
وأقوال شيوخهم فـي هذا المعنى كثيرة، فـيقول– مثلاً- آيتهم العظمى شهاب الدين النجفـي:"إن النبي صلى الله عليه وسلم ضاقت عليه الفرصة ولم يسعه المجال لتعليم جميع أحكام الدين.. وقد قدّم الاشتغال بالحروب على التمحص (كذا) ببيان تفاصل الأحكام..لاسيما مع عدم كفاية استعداد الناس فـي زمنه لتلقي جميع ما يحتاج إليه طول قرون"(تعليقاته على إحقاق الحق للتستري: شهاب الدين النجفي 2/288-289).
إذاً هم يزعمون أن الأئمة هو خزنة علم الله ووحيه، وقد عقد الكليني صاحب الكافـي باباً لهذا بعنوان:"باب أن الأئمة عليهم السلام ولاة أمر الله وخزنة علمه".(أصول الكافي 1/192-193). وضمن هذا الباب ست روايات فـي هذا المعنى، وباباً آخر بعنوان:"أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم".(أصول الكافـي1/223-226)، وفـيه سبع روايات، وباباً ثالثاً بعنوان:"أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام".(أصول الكافـي1/225-256). وفـيه أربع روايات.
وقد استمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته- كما تزعم روايات الشيعة- يعلم علياً علوماً وأسراراً لا يطلع عليها أحد سواه، وقد وصلت مبالغات الشيعة فـي هذه الدعاوى إلى مرحلة لا يصدقها عقل.. حتى قالوا بأن علياً استمر فـي تلقي العلم من فم الرسول حتى بعد موته عليه الصلاة والسلام، وعقد المجلسي لهذا باباً بعنوان:"باب ما علمه الرسول صلى الله عليه وآله عند وفاته وبعده..".(بحار الأنوار40/213-218).
ولم يكتف الخيال الشيعي بهذا؛ بل زعم أن عند الأئمة العلم المزبور، أو الكتب التي ورثوها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء على ذكر بعضها صاحب الكافـي فـي باب عقده بعنوان" باب فـيه ذكر الصحيفة، والجفر، والجامعة، ومصحف فاطمة عليها السلام".(أصول الكافي 1/238-242)، وفـي باب آخر بعنوان:"ما أعطى الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم".(أصول الكافي 1/230)، وفـي باب ثالث بعنوان: "باب ما عند الأئمة من آيات الأنبياء عليهم السلام".(أصول الكافـي1/231-232).
ومن العجب أن أئمتهم يعدون أتباعهم بأنهم سيحكمون بما فـي هذه الصحيفة لو تمكنوا من الحكم حيث قالوا: "لو ولينا الناس لحكمنا بما أنزل الله لم نعد ما فـي هذه الصحيفة".(بحار الأنوار26/22-23، بصائر الدرجات: ص39).
أمّا القرآن فليس له ذكر، كما يخبرون بأنها هي دستورهم الذي يتبعون، حيث قالوا:"..فنحن نتبع ما فـيها ولا نعدوها".(بحار الأنوار 26/22-23، بصائر الدرجات ص39). وزعم أبو بصير (أحد رواتهم) بأنه رآها عند أبي جعفر(بحار الأنوار26/23، بصائر الدرجات ص39)، كما زعم زرارة أنه استمع إلى نص من نصوصها يقول:"إن ما يحدث به المرسلون كصوت السلسلة أو كمناجاة الرجل صاحبه" (بحار الأنوار 26/24، بصائر الدرجات:ص 39-40).
كما تتحدث رواياتهم عن صحيفة فـيها تسع عشرة صحيفة قد حباها أو خباها.-على اختلاف نسخهم ما بين اللفظين-. رسول الله صلى الله عليه وآله عند الأئمة.(بحار الأنوار: 26/24. وبصائر الدرجات ص39)، ولا تفصح عن شيء أكثر من هذا.
ومن الكتب التي عند أئمتهم- كما يزعمون- كتاب يسمى:"ديوان الشيعة" أو الناموس أو السمط، على اختلاف رواياتهم فـي تسميته، قد سُجل فـيه الشيعة بأسمائهم وأسماء آبائهم، وكان أتباع الأئمة -كما تزعم روايات الشيعة-يذهبون إلى الأئمة ليقفوا على أسمائهم فـي هذا الديوان؛ لأن وجود الاسم فـيه هو برهان النجاة (انظر رواياتهم فـي بحار الأنوار26/117-132). ومن ليس له اسم فـي هذا الديوان فليس عندهم من أهل الإسلام؛ لأن إمامهم قال: "إنّ شيعتنا مكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم..ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم".(بحار الأنوار26/123، بصائر الدرجات ص47). وأحياناً يقولون فـي رواياتهم بأنهم ورثوا ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه دُفع إليه-حينما أسري به- صحيفتان: صحيفة فـيها أصحاب اليمين، وأخرى فـيها أصحاب الشمال، وفـيهما أسماء أهل الجنة، وأسماء أهل النار. وقد دفعهما الرسول صلى الله عليه وسلم -كما يزعمون- إلى عليّ، وتوارثها الأئمة من عليّ، وهما اليوم عند منتظرهم الغائب.(انظر: بحار الأنوار26/124-125. وبصائر الدرجات ص52). وإذا لاحظنا أنهم يزعمون بأن لكبار شيوخهم صلة بالمنتظر المزعوم، وهذا المنتظر عنده كل هذه العلوم، والتي منها سجل أسماء أهل الجنة وأهل النار، فلا يستبعد ما يقال بأن بعض آياتهم فـي دولتهم الحاضرة يصدرون صكوك الغفران والحرمان، ويغررون بأولئك المغفلين ويزجون بهم فـي أتون الحرب تحت تأثير هذه الأماني والوعود الكاذبة).
كما أنَّ لدى الأئمة الجفر الأبيض (الجفر: تقول رواياتهم فـي تفسيره بأنه: "وعاء من أدم فـيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل".(أصول الكافـي 1/239) ومرة تنعته بأنه:"جلد ثور ملئ علماً".(المصدر السابق 1/241). وهل المسلمون بحاجة فـي دينهم إلى غير شريعة القرآن؟! لقد أكمل الله سبحانه لنا الدين، وختم بكتابه الكتاب، ونسخ بالإسلام الأديان كلها. قال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) آل عمران:85.
وقد يقال بأن هذه الدعاوى مجرد حكايات لا رصيد لها من الواقع، وقد حفظتها كتب الشيعة ليبقى عارها عليهم وعليها إلى الأبد، وليس لها أثر فـي واقع الحياة؛ لأنه لا وجود للأئمة اليوم..أقول: إن هذه الأساطير المكشوفة لها آثارها الخطيرة على نفسية وعقلية أولئك الأتباع الأغرار، وقد تؤدي بمن يؤمن بها ويعطي لعقله فرصة التأمل والتفكر فـيها إلى متاهات الكفر والإلحاد، كما أن هذا الغلو في الأئمة قد تحول إلى واقع عملي واضح كما نراه غلوا تجاوز الحد فـي قبور الأئمة.من الصلاة إليها والانكباب فوقها ودعاء من فيها، والسفر إليها وتقديم القرابين، وتقبيل حجارتها، والتمسح بأعتابها. كما سيأتي معنا في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.