شبهة دفن عثمان في حش كوكب
أن عثمان دفن في حش كوكب ليهودي
حدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا عبد الملك الماجشون قال سمعت مالكاً يقول:« قتل عثمان فأقام مطروحاً على كناسة بني فلان ثلاثاً فأتاه إثنا عشر رجلاً فيهم جدي مالك بن أبي عامر وحويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وعائشة بنت عثمان معهم مصباح في حق فحملوه على باب وإن رأسه يقول على الباب طق طق حتى أتوا به البقيع فاختلفوا في الصلاة عليه فصلى عليه حكيم بن حزام أو حويطب بن عبد العزى شك عبد الرحمن ثم أرادوا دفنه فقام رجل من بني مازن فقال: والله لئن دفنتموه مع المسلمين لأخبرن الناس فحملوه حتى أتوا به إلى حش كوكب فلما دلوه في قبره صاحت عائشة بنت عثمان فقال لها إبن الزبير اسكتي فوالله لئن عدت لأضربن الذي فيه عيناك فلما دفنوه وسووا عليه التراب قال لها إبن الزبير: صيحي ما بدا لك أن تصيحي، قال مالك وكان عثمان بن عفان قبل ذلك يمر بحش كوكب فيقول: ليدفنن ههنا رجل صالح» (المعجم الكبير1/78).
أما الرواية ففيها علتان:
1- ضعف عبد الملك بن الماجشون فقد كان يروي المناكير عن الامام مالك
2- الإرسال. فإن الإمام مالكا لم يدرك مقتل عثمان ولم يولد إلا سنة 93ه
3- النكارة في الرواية تركد كذب الرواية. وهو قول ابن الزبير لعائشة أم المؤمنين (اسكتي فوالله لئن عدت لأضربن الذي فيه عيناك، صيحي ما بدا لك).
زعم الرافضة في موقع الميزان أن الطبراني قال عن الرواية (سندها حسن) ولم أجد ذلك.
وأما حش كوكب الذي دفن فيه عثمان. فهو بستان اشتراه من كوكب وهو رجل من الأنصار. لكن الرافضة زعوا أن معاوية اشتراه من يهودي بعد مقتل عثمان. وهذا هذيان وحماقة.
قال الرافضي التيجاني:« وتحقق لدي ما قاله المؤرخون من أنه دفن بحش كوكب وهي أرض يهودية لأن المسلمين منعوا دفنه في بقيع رسول الله، ولمّا استولى معاوية بن أبي سفيان على الخلافة اشترى تلك الأرض من اليهود وأدخلها في البقيع ليدخل بذلك قبر ابن عمه عثمان فيها والذي يزور البقيع حتى اليوم سيرى هذه الحقيقة بأجلى ما تكون».
الجواب: بالطبع سوف يتجلى له أنك كذاب.
فإن حش كوكب بستان اشتراه عثمان من رجل من الأنصار اسمه كوكب.
قال الحافظ ابن عبد البر:« كوكب: رجل من الأنصار والحش: البستان. وكان عثمان رضي الله عنه قد اشتراه وزاده في البقيع فكان أول من دفن فيه وحمل على لوح سراً» (الاستيعاب1/322 وانظر الاصابة في معرفة الصحابة5/626 ترجمة7474 تجريد أسماء الصحابة2/36 للذهبي ترجمة388).
وليس المسلمون هم الذين رفضوا دفنه كما يدعي الرافضة. وإنما الغلاة الذين بلغ غلوهم استعدادهم لاستخرج جثة عثمان إن هم عرفوا بمكان دفنه.
وقد زعم هذا الرافضي أن معاوية اشترى هذه الأرض من يهودي.
وهذا من كذبه وهل بقي يهود أصلا في خلافة معاوية وقد اجلاهم عمر بن الخطاب؟!
فأي تحقيق يستفاد من هذا الجاهل؟!
تعليق ابن حزم على روايات دفن عثمان في بستان يهودي
«وأما قول من قال أنه رضي الله عنه أقام مطروحا على مزبلة ثلاثة أيام فكذب بحت وإفك موضوع وتوليد من لا حياء في وجهه بل قتل عشية ودفن من ليلته رضي الله عنه شهد دفنه طائفة من الصحابة وهم جبير بن مطعم وأبو الجهم بن حيفة وعبد الله بن الزبير ومكرم بن نيار وجماعة غيرهم. هذا ما لا يتمارى فيه أحد ممن له علم بالأخبار ولقد أمر رسول الله E وسلم برمي أجساد قتلى الكفار من قريش يوم بدر في القليب وألقى التراب عليهم وهم شر خلق الله تعالى وأمر عليه السلام أن يحفر أخاديد لقتلى يهود قريظة وهم شر من وارته الأرض، فمواراة المؤمن والكافر فرض على المسلمين فكيف يجوز لذي حياء في وجهه أن ينسب إلى علي وهو الإمام ومن بالمدينة من الصحابة أنهم تركوا رجلا ميتا ملقى بين أظهرهم على مزبلة لا يوارونه…؟ ولا يبالى مؤمنا كان أو كافرا ولكن الله يأبى إلا أن يفضح الكذابين بألسنتهم ولو فعل هذا علي لكانت جرحة فيه، لأنه لا يخلوا أن يكون عثمان كافرا أو فاسقا أو مؤمنا فإن كان كافرا أو فاسقا عنده فقد كان فرضا على علي أن يفسخ أحكامه في المسلمين فإذا لم يفعل فقد صح أنه كان مؤمنا عنده فكيف يجوز ان ينسب ذو حياء إلى علي أنه ترك مؤمنا مطروحا ميتا على مزبلة لا يأمر بموارته» (الفصل في الملل والنحل2/240).
طرق أخرى للرواية:
حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا محمد بن سليمان ثنا المسروقي ثنا عبيد بن الصباح ، ثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه قال:«مكث عثمان في حش كوكب مطروحاً ثلاثاً لا يصلى عليه حتى هتف بهم هاتف: إدفنوه ولا تصلوا عليه فإن الله عز وجل قد صلى عليه» (معجم الصحابة ص284 لأبي نعيم الإصبهاني).
التخريج
عبيد بن الصباح ضعيف (الجرح والتعديل5/408).
حفص بن غياث: تغير حفظه ولا يقبل ما يتفرد به. قال الذهبي:«وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي يتفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكرا» (الموقظة ص77).
قال أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس المدني قال حدثني عم جدتي الربيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه قال:«كنت أحد حملة عثمان بن عفان حين توفي حملناه على باب وإن رأسه ليقرع الباب لإسراعنا به وإن بنا من الخوف لأمراً عظيماً حتى واريناه في قبره في حش كوكب» (الطبقات الكبرى3/79 تاريخ دمشق39/532).
منكر. الربيع بن مالك منكر الحديث جدا. كما قال ابن حبان. قال البخاري:«لا يعرف حديثه» (ميزان الاعتدال2/42).
أبو بكر هو اسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس. صدوق يخطئ.
رواية أخرى:
حدثني علي بن دابه عن شرحبيل بن سعد قال قال عبد الرحمن بن أزهر:«لم أدخل في شيء من أمر عثمان فإني لفي بيتي إذ آتاني المنذر بن الزبير فقال عبد الله يدعوك، فأتيته وهو قاعد إلى جنب غرارة حنطة فقال:«هل لك إلى دفن عثمان فقلت ما دخلت في شيء من أمره وما أريد ذاك، فاحتملوه معهم معبد بن معمر فانتهوا به إلى البقيع فمنعهم من دفنه جبلة بن عمرو الساعدي فإنطلقوا إلى حش كوكب ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في حق فصلى عليه مسور بن مخرمة ثم حفروا له فلما دلوه صاحت بنته فلم يضعوا على لحده لبنا وأهالوا عليه التراب وإنصرفوا» (تاريخ المدينة لابن شبة1/112).
باطلة. علي بن دابة لم أجد له وجودا فضلا عن ترجمة.
عمر بن شبة صاحب كتاب المدينة ابن شبة (173-262) فأين الرواة بينه وبين شرحبيل بن سعد الذي توفي سنة 23 هجرية عن عمر ناهز المئة.
شرحبيل بن سعد «صدوق اختلط بآخرة» (تقريب التهذيب2764).
وفي رواية:
عن علي عن ابن وهب عن شرحبيل بن سعد عن بعض أهل المدينة.
وهذا يزيد في كشف بطلان الرواية الأولى. وتنتهي إلى مجاهيل (بعض أهل المدينة): من هم؟
حدثنا علي عن أبي دينار أحد بني دينار بن النجار عن مخلد بن خفاف عن عروة بن الزبير قال:« منعهم من دفن عثمان بالبقيع أسلم بن أوس بن بحرة الساعدي قال فانطلقوا به إلى حش كوكب، فصلى عليه حكيم بن حزام ، وأدخل بنو أمية حش كوكب في البقيع» (تاريخ المدينة ص113).
باطل. لجهالة علي الذي روى عنه ابن شبه. فإن كان علي بن دابه فلا يعرف.
وأبو دينار من دار بن النجار لا يعرف. وهناك الكثير من دينار بني النجار. ولكن لم أجد صاحب هذه الكنية (أبو دينار) ينتسب لدينار بن النجار.
وأما أسلم بن أوس الساعدي فلم تثبت صحبته.
رواية أخرى:
حدثني جعفر بن عبدالله المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين قالا حدثنا حسين بن عيسى عن أبيه عن أبي ميمونة عن أبي بشير العابدي قال:«نبذ عثمان ثلاثة أيام لا يدفن ، ثم إن حكيم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبدالعزى وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف كلما علياً في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل وأذن لهم علي : فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يقال له : حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلما خرج على الناس رجموا سريره وهموا بطرحه فبلغ ذلك علياً فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه ففعلوا ، فإنطلق حتى دفن في حش كوكب ، فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى إتصل ذلك بمقابر المسلمين.
هذه الرواية كلها مجاهيل ومنهم من هو مرمي بالرفض بل وبالكذب.
عمرو بن حماد بن طلحة القناد. متهم بأنه رافضي (تقريب التهريب ترجمة5014). وقيل إنه صدوق. ولو سلمنا بصدقه فإن الرفض بدعة ولا يقبل من مبتدع ما يؤيد بدعته فيما يرويه.
وسرد محقق تاريخ الطبري حال رواة هذه الرواية فقال:
«جعفر عبد الله المحمدي: «لم أجد له ترجمة، ولم ينقل عن الطبري إلا في ثلاثة عشر موضعاً كلها في فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه وشيوخه فيها هم عمرو وعلي.
علي بن حسين بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم أجد له ترجمة.
حسين بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن أبي طالب رضي الله عنه سكت عنه ابن أبي حاتم (الجرح 3/60).
عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سكت عنه ابن أبي حاتم (الجرح 6/276).
محمد بن السائب بن بشر الكلبي، الكوفي النسابة، المفسر، متهم بالكذب، ورمي بالرفض، من السادسة، مات سنة ست وأربعين، ت فق (ت سنة 146 ? ) (التقريب/ 5901).
رواية أخرى:
وحدثني محمد عن عبدالله بن يزيد الهذلي عن عبد الله بن ساعدة قال:«لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطعيون دفنه ثم حمله أربعة حكيم إبن حزام وجبير بن مطعم ونيار بن مكرم وأبو جهم بن حذيفة، فلما وضع ليصلى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي وأبو حية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع ، فقال أبو جهم إدفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته فقالوا : لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين إبدأً فدفنوه في حش كوكب فلما ملكت بنو أمية إدخلوا ذلك الحش في البقيع فهو اليوم مقبرة بني أمية».
رواه الطبري في (تاريخه2/688).
موضوع. محمد وهو ابن عمر الواقدي كذاب.
وعبد الله بن يزيد الهذلي رماه البخاري بالزندقة (لسان الميزان3/377 ترجمة ترجمة1508 وانظر التاريخ الكبير5/227 ترجمة741).
هذا ما يسر الله من جمع هذا البحث حول روايات دفن عثمان. أسأل الله السداد والثبات إلى يوم ألقاه.
عبدالرحمن دمشقية