العدالة لغة واصطلاح
قال العلامة الجوهري : " العَدْلُ: خلاف الجَوَر. يقال: عَدَلَ عليه في القضيّة فهو عادِلٌ. وبسط الوالي عَدْلَهُ ومَعْدِلَتَهُ ومَعْدَلَتَهُ. وفلان من أهل المَعْدَلَةِ، أي من أهل العَدْلِ. ورجلٌ عَدْلٌ، أي رِضاً ومَقْنَعٌ في الشهادة. وهو في الأصل مصدرٌ. وقومٌ عَدْلٌ وعُدولٌ أيضاً، وهو جمع عَدْلٍ. وقد عَدُلَ الرجلُ بالضم عَدالَةً " الصحاح في اللغة – أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري - ج 1 ص 451
[rtl]واما العدالة في الاصطلاح , فقد قال الامام الغزالي : " وَالْعَدَالَةُ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِقَامَةِ السِّيرَةِ وَالدِّينِ وَيَرْجِعُ حَاصِلُهَا إلَى هَيْئَةٍ رَاسِخَةٍ فِي النَّفْسِ تُحْمَلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ جَمِيعًا حَتَّى تَحْصُلُ ثِقَةُ النُّفُوسِ بِصِدْقِهِ، فَلَا ثِقَةَ بِقَوْلِ مَنْ لَا يَخَافُ اللَّهَ تَعَالَى خَوْفًا وَازِعًا عَنْ الْكَذِبِ.[/rtl]
ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِصْمَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي. وَلَا يَكْفِي أَيْضًا اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ بَلْ مِنْ الصَّغَائِرِ مَا يُرَدُّ بِهِ كَسَرِقَةِ بَصَلَةٍ وَتَطْفِيفٍ فِي حَبَّةٍ قَصْدًا. " المستصفى – ابو حامد محمد بن محمد الغزالي - ج 1 ص 125
[rtl]وقال الامام ابن حبان : " والعدالة في الإنسان هو أن يكون أكثر أحواله طاعة الله لأنا متى ما لم نجعل العدل إلا من لم يوجد منه معصية بحال أدانا ذلك إلى أن ليس في الدنيا عدل إذ الناس لا تخلو أحوالهم من ورود خلل الشيطان فيها بل العدل من كان ظاهرا أحوله طاعة الله والذي يخالف العدل من كان أكثر أحواله معصية الله " صحيح ابن حبان - أبو حاتم محمد بن حبان البستي - ج 1 ص 151[/rtl]
[rtl]وقال الامام الصنعاني: " لَيْسَ الْعدْل إِلَّا من قَارب وسدد وَغلب خَيره شَره " ثمرات النظر – محمد بن اسماعيل الامير الصنعاني - ج 1 ص 58[/rtl]
[rtl]وقال ايضا : " كَلَام مستحسن للشَّافِعِيّ فِي الْعَدَالَة[/rtl]
[rtl]قَالَ وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي الْعَدَالَة قولا استحسنه كثير من الْعُقَلَاء من بعده قَالَ لَو كَانَ الْعدْل من لم يُذنب لم نجد عدلا وَلَو كَانَ كل ذَنْب لَا يمْنَع من الْعَدَالَة لم نجد مجروحا وَلَكِن من ترك الْكَبَائِر وَكَانَت محاسنه أَكثر من مساوئه فَهُوَ عدل انْتهى[/rtl]
قلت وَهَذَا قَوْله حسن وَيُؤَيِّدهُ أَن أهل اللُّغَة فسروا الْعدْل بنقيض الْجور وَلَيْسَ الْجور عبارَة عَن ملكة راسخة توجب إتْيَان كل مَعْصِيّة وَلَا الجائر لُغَة كل من يَأْتِي مَعْصِيّة بل من غلب جوره على عدله " ثمرات النظر – محمد بن اسماعيل الامير الصنعاني - ج 1 ص 72 – 73
[rtl]وقال الامام ابو بكر البغدادي : " أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُجَهِّزُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ , بِهَا، ثنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ سَلْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الضَّحَّاكِ، ثنا أَبُو الْأَصْبَغِ مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعِةٍ، ثنا مَهْدِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ شَرِيفٍ وَلَا عَالِمٍ وَلَا ذِي سُلْطَانٍ إِلَّا وَفِيهِ عَيْبٌ , لَا بُدَّ , وَلَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا تُذْكَرُ عُيُوبُهُ , مَنْ كَانَ فَضْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ نَقْصِهِ وُهِبَ نَقْصُهُ لِفَضْلِهِ» " الكفاية في علم الرواية – ابو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي - ج 1 ص 79[/rtl]
[rtl]فالامر كله يتعلق بثبوت الصلاح للشخص , بحيث يغلب خيره على شره , وليس المراد من العدالة العصمة قطعا , فنقول ان الثمرة من كل ما ذكرنا هو حدوث الاطمئنان من الكذب عند الشخص الذي يروي حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , قال الله تعالى : { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) النساء } .[/rtl]
قال الحافظ ابن كثير : " وَقَوْلُهُ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا] (2) } . أَيْ: إِذَا اجْتَنَبْتُمْ كَبَائِرَ الْآثَامِ الَّتِي نُهِيتُمْ عَنْهَا كَفَّرْنَا عَنْكُمْ صَغَائِرَ الذُّنُوبِ وَأَدْخَلْنَاكُمُ الْجَنَّةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلا كَرِيمًا} . " تفسير ابن كثير - عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير – ج 2 ص 271
اي ان صدور الصغيرة من العبد واردة , ومع هذا تُكفر عند اجتناب الكبائر .
وفي الحديث النبوي الشريف : " 3428 - ( حسن )
[rtl]4241 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" " صحيح ابن ماجة – محمد ناصر الدين الالباني - ج 2 ص 418[/rtl]
ان الحديث واضح في وقوع العباد في الخطأ , ولكن خير الخطائين الذين يتوبون من ذنوبهم , ويرجعون الى الله تعالى فمجرد وقوع العبد في الذنب لا يلزم منه اسقاط عدالته , فتوبته تنقيه , وتجعله خاليا من الذنب , وكذلك الحسنات الماحية للسيئات كما قال تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) : هود } , وهناك مكفرات للذنوب اخرى مثل الاعمال الصالحة , والابتلاءات والمصائب , والدعاء وغيرها سوف ابينها في مكانها .