الشّبهة : { وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ }:
يستدلّون بقول الحقّ جلّ وعلا: { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } (التوبة:74).
الجواب:
نجيبهم بما ورد في تفاسيرهم لهذه الآية:
قال الطباطبائي في تفسيره (الميزان): " ثم قال في مقام ذمهم و تعييرهم: "وما نقموا إلا أن أغناهم الله و رسوله من فضله" أي بسبب أن أغناهم الله ورسوله، أي كان سبب نقمتهم هذه أن الله أغناهم من فضله بما رزقهم من الغنائم وبسط عليهم الأمن والرفاهية فمكنهم من توليد الثروة وإنماء المال من كل جهة، وكذا رسوله حيث هداهم إلى عيشة صالحة تفتح عليهم أبواب بركات السماء والأرض، وقسم بينهم الغنائم وبسط عليهم العدل.
فهو من قبيل وضع الشيء موضع ضده: وضع فيه الإغناء وهو بحسب الطبع سبب للرضى والشكر موضع سبب النقمة والسخطة كالظلم والغضب، وإن شئت قلت: وضع فيه الإحسان موضع الإساءة، ففيه نوع من التهكم المشوب بالذم نظير ما في قوله تعالى: "و تجعلون رزقكم أنكم تكذبون:" الواقعة: 82 أي تجعلون رزقكم سببا للتكذيب بآيات الله وهو سبب بحسب الطبع لشكر النعمة والرضا بالموهبة على ما قيل: إن المعنى: و تجعلون بدل شكر رزقكم أنكم تكذبون. والضمير في قوله: "من فضله" راجع إلى الله سبحانه، قال في المجمع،: وإنما لم يقل: من فضلهما لأنه لا يجمع بين اسم الله واسم غيره في الكناية تعظيما لله، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن سمعه يقول: "من أطاع الله ورسوله فقد اهتدى ومن عصاهما فقد غوى": بئس خطيب القوم أنت"، فقال: كيف أقول يا رسول الله؟ قال: قل: ومن يعص الله ورسوله، وهكذا القول في قوله سبحانه: "والله ورسوله أحق أن يرضوه" وقيل: إنما لم يقل من فضلهما لأن فضل الله منه وفضل رسوله من فضله، انتهى كلامه.
وهناك وراء التعظيم أمر آخر قدمنا القول فيه في تفسير قوله تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة:" المائدة: - 73 في الجزء السادس من الكتاب، و هو أن وحدته تعالى ليست من سنخ الوحدة العددية حتى يصح بذلك تأليفها مع وحدة غيره و استنتاج عدد من الأعداد منه. (الميزان: 09/191-192).