الحج والطواف والكعبة واستهزائهم به
وأما الحج فأحياناً يستهزؤن به , وأحياناً كانوا يخرجون له بدون زاد وراحلة يتكففون الناس ويستجدون منهم , ويمدون الأيدي إليهم , وقد مر بيان هذا فيما سبق عند ذكر تطرفهم في التوكل .
وأما تركه والإستهزاء به فيذكر العطار عن أبي يزيد البسطامي أنه خرج مرة للحج , فرجع من الطريق فسألوه عن السبب , فقال : لقيني في الطريق رجل حبشي وقال لي : لماذا تركت الله ببسطام فرجعت [1] .
ونقل السهلجي والعطار عن البسطامي أيضاً أنه قال :
" خرجت إلى الحج , فاستقبلني رجل في بعض المتاهات فقال : أبا يزيد إلى أين ؟ فقلت : إلى الحج , فقال : كم معك من الدراهم ؟
قلت : معي مائتا درهم : فقال : طف حولي سبع مرات , وناولني المائتي درهم فإن لي عيالاً , فطفت حوله وناولته المائتي درهم [2] .
ونقل عنه الهجويري أنه قال :
" صرت إلى مكة , فرأيت البيت مفرداً , فقلت : حجي غير مقبول , لأني رأيت أحجاراً كثيرة من هذا الجنس . وذهبت مرة أخرى فرأيت البيت ورب البيت , قلت : لا حقيقة التوحيد بعد . وذهبت مرة ثالثة فرأيت الكل رب البيت , ولا بيت " [3] .
ومذل ذلك حكى سبط ابن الجوزي نقلاً عن ابن خميس أنه قال :
قال أبو يزيد : حججت أول حجة فرأيت البيت ولم أر صاحب البيت , وحججت ثالثاً فلم أر البيت ولا صاحب البيت ولا الناس [4] .
ومما يدلّ كذلك على استهزاء القوم بالكعبة وإهانتهم لها وللطواف حولها ما ذكر النبهاني نقلاً عن إبراهيم الخواص أنه قال :
" إن الكعبة طافت بالشيخ إبراهيم المتبولي حجراً حجراً , ثم رجع كل حجر إلى مكانه . قال اليافعي رحمه الله تعالى :
وقد سمعنا سماعاً محققاً أن جماعة من القوم شوهدت الكعبة وهي تطوف بهم طوافاً محققاً [5] .
وذكروا مثل ذلك عن رابعة البصرية أيضاً فقالوا :
" سافرت رابعة إلى مكة فرأت أثناء الطريق كعبة الله تمشي إليها – عياذاً بالله – فقالت : لا أريد الكعبة , بل أريد ربها "[6] .
وذكر السهلجي مثل ذلك عن البسطامي حيث روى عنه أنه قال :
" كنت أطوف حول بيت الله الحرام , فلما أن وصلت إليه رأيت البيت يطوف حولي " [7] وليس هذا فحسب , بل قال الحسن بن علوية :
" ذهب أبو يزيد إلى مكة مع واحد من تلامذته , فلما دخل المدينة جاءت مكة إلى المدينة فطافت حوالي أبي يزيد , فغشي على تلميذه وقع على الأرض . فلما أفاق مسح رأسه وقال : تعجبت ؟
فقال : نعم , قال : والله إن جاءت إليّ بسطام لكانت مقصرة في حقي – عياذاً بالله - [8] .
هل هناك استهزاء واستخفاف بالكعبة والطواف حولها أكبر وأشدّ من هذا ؟
أليس هذه الهذيانات إهانة ونيلا من شأن ركن من أركان الإسلام الخمسة ؟
ومن إهانتهم كذلك للكعبة المشرفة – زادها الله شرفاً وتعظيماً وتكريماً رغم أنوف الصوفية – أن أحد الصوفية بالهند الشيخ محمد يعقوب سئل :
ما الفرق بين معبد السيخ ( طائفة من كفار الهند ) وبين بيت الله الحرام ؟
فأجاب بقوله : ليس بينهما أيّ فرق [9] .
وأما الشعراني فقال :
" لا ينبغي للمريد أن يستدبر شيخه أبداً إلا بإذن , ويكون ذلك مع استشعار المريد الخجل والحياء حتى كأنه يمشي على الجمر , فإن شيخه أعظم حرمة من الكعبة " [10] .
ويجعل شأن زاوية محمد الغمري مثل شأن بيت الله الحرام , فيقول :
" إن جماعة تراهنوا على أنهم يجدون زاوية سيدي محمد الغمري في المحلّة الكبرى ساكتة عن الذكر في ليل أو نهار فلم يجدوها فكانت كالكعبة بالنسبة للطائفين " [11] .
ولم يستخفوا بالكعبة فقط بل الحجر الأسود أيضاً كما ذكر النبهاني عن ابن عربي أن :
" الكعبة كلّمته , وكذلك الحجر الأسود , وأنها طافت به , ثم تلمذت له وطلبت منه ترقيتها إلى مقامات في طريق القوم , فرقاها لها وناشدها أشعاراً وناشدته فراجعه وحاشاً أولياء الله أن يخبروا خلاف الواقع "[12] .
وتجاوزوا في إهانتها جميع الحدود وبلغوا أقصاها حيث نقلوا عن الشبلي أنه رأى الناس شعلة من نار في يده فسألوه السبب ؟
فأجاب : أريد أن أحرق بها الكعبة ليتوجه الناس إلى ربها[13] .
وأخيراً ننقل من الصوفي المصري عبد الرحمن الصفوري حكاية تدل على السخرية بالكعبة المشرفة و المدينة المنورة وبيت المقدس فيذكر عن الخواص أنه قال :
" زرت ولية من أولياء الله فقلت لها :
هل لك في بلادنا ؟
فقالت : وما أصنع في بلادك ؟
فقلت لها : فيها مكة والمدينة وبيت المقدس . فقالت : أرفع رأسك , فرفعت رأسي , فإذا بالكعبة والمدينة وبيت المقدس يحومون على رأسي في الهواء " [14] .
[1] تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار ص 82 .
[2] النور من كلمات أبي طيفور للسهلجي ص 164 من شطحات الصوفية للدكتور بدوي , تذكرة الأولياء للعطار ص 82 .
[3] كشف المحجوب للهجويري ص 319 .
[4] مرآة الزمان لسبط بن الجوزي ص 214 ضمن شطحات الصوفية للبدوي ز
[5] جامع كرامات الأولياء للنبهاني ج 1 ص 245 .
[6] أنظر خزينة الأصفياء لغلام سرور اللاهوري ص 413 ط باكستان .
[7] النور من كلمات أبي يظفور للسهلجي ص 139 .
[8] أيضا ص 185 .
[9] تذكرة غوثية للشطاري الماندوني ص 96 ط باكستان .
[10] الأنوار القدسية للشعراني ج 2 ص 54 دار إحياء التراث العربي بغداد .
[11] أيضاً ج 2 ص 140 .
[12] جامع كرامات الأولياء للنبهاني ص 120 .
[13] تذكرة الأولياء للعطار ص 304 .
[14] نزهة المجالس للصفوري ج1 ص 18 ط دار الكتب العلمية بيروت .