الرقـــص
فمن ثمار الوجد ولواحقه : الرقص , فيقول السهروردي :
" ربما صار الرقص عبادة بحسن النية إذا نوى به استجمام النفس " [1] .
ويقول عماد الدين الأموي :
" لا بأس بالرقص في السماع إذا لم يكن فيه تكسّر " [2] .
ويكتب الفيتوري :
" يجوز الرقص في السماع إذا كان من تواجد وحالة " [3].
ويصرح ابن عجيبة الحسني :
" والأصل في الرقص هو الإباحة . . . وقد صح القيام والرقص في مجالس الذكر والسماع عن جماعة من أكابر الأئمة .
وقد تواتر النقل عن الصوفية قديماً وحديثاً , شرقاً وغرباً , أنهم كانوا يجتمعون لذكر الله ويقولون ويرقصون , ولم يبلغنا عن أحد من العلماء المعتبرين أنه أنكر عليهم .
وقد رأيت بفاس بزاوية الصقليين جماعة يذكرون ويرقصون من صلاة العصر يوم الجمعة إلى المغرب , مع توفر العلماء , فلم ينكر أحد عليهم " [4] .
وقد أحل الرقص أبو حامد الغزالي أيضاً في إحيائه [5] .
وأما أبو الحسن الخرقاني فيعرّف ويمدح الرقص بقوله :
" الرقص هو مشاهدة ما تحت الثرى بوقوع القدم على الأرض , ومشاهدة العرش بتحريك الأيدي في الهواء " [6] .
وأخيراً ننقل ما قاله ابن عجيبة ردّاً على الذين يعترضون على السماع والرقص , فيقول :
أعلم أن اعتراض أهل الظاهرة على الصوفية لا ينقطع أبداً , هذه سنة ماضية , وخصوصاً في السماع والرقص , وهم معذورون لأنهم لا يشاهدون إلا ذواتاً ترقص وتشطح , ولا يدرون ما في باطنها من المواجيد والأفراح , فيحملون ذلك على حفة العقل والطيش , فيقعون فيهم إلا من عصمة الله بالتسليم ولذلك كان التصديق بطريقة القوم ولاية , والاعتراض جناية . . . وقد رأيت للطرطوشي اعتراضاً كبيراً على الصوفية في الرقص حتى قال فيه : إنه ضلالة وجهالة , وذلك لما قلناه , قال تعالى : ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ .
وكان الشيخ ابن عباد رضي الله عنه يقول :
لا تجعلوا لأهل الظاهر حجة على أهل الباطن أي لأنهم لم يدركوا ما أدركه أهل الباطن , فلا تقوم الحجة عليهم بمجرد سوء الظن , ولله دّر أبي مدين حيث يقول :
إذا لم تذق ما ذاقت الناس في الهـوى
فــللّه يا خــالي الـحشــــا لا تعـنفنـــا
اهتـــزت الأرواح شــوقاً إلى اللّـــقـــا
نعم ترقصت الأشباح يا جاهل المعنى " [7] .
وأما حكاياتهم في الرقص فيذكر نجم الدين الكبري عن بعض المتصوفين أنهم كانوا يوماً في سماع لبعض الأخوان وقد طاب لهم الوقت وقاموا للرقص " [8] .
وذكر النفزي الرندي عن بعضهم أنه قال :
" كنت مسافراً إلى مكة , فبينما أنا أمشي إذ رأيت شيخاً بيده مصحف وهو ينظر فيه ويرقص , فتقدمت إليه فقلت : يا شيخ , ما هذا الرقص ؟ .
قال : دعني عنك , قلت في نفسي : عبد من أنا , وكلام من أتلو , وبيت من أنا قاصد , فاستفزّني الوجد فرقصت [9] .
ونقل الجعلي الفضلي عن سلمان العوضي أن أصحابه كانوا يقرشون الجمر والواحد يملأ عمامته حجراً ويضعها على رأسه ويرقص [10] .
[1] عوراف المعارف للسهروردي ص 180 .
[2] حياة القلوب لعماد الدين الأموي ص 179 بهامش قوت القلوب .
[3] الوصية الكبرى للفيتوري ص 19 .
[4] الفتوحات الإلهية لابن عجيبة الحسني ص 192 , 193 .
[5] أنظر إحياء علوم الدين للغزالي ج 2 ص 278 .
[6] المنتخب من كتاب نور العلوم من كلام الشيخ أبو الحسن الخرقاني ( بالفارسية ) للأستاذ مجتبى مينوي ص 112 ط بخانه طهوري إيران .
[7] الفتوحات الإلهية ص 201 .
[8] فوائح الجمال وفواتح الجلال لنجم الدين الكبري المتوفى 618 هـ ص 45 .
[9] غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج 2 ص 221 .
[10] كتاب الطبقات للجعلي الفضلي ص 94 ط المكتبة الثقافية بيروت .