الصوفيه والقران
وأخيراً نذكر أن القرآن الكريم أيضاً لم يبق محفوظا عن أيدي المتصوفة , فلقد حاولوا أن يصرفوا الناس عن تلاوته والتذكير بآياته , فأنظر إلى النفري كيف يستخف بالقرآن الكريم ويستهين بآياته التي ذكر فيها الجنة والنار والثواب والعقاب والقيامة وأهوالها , فيكذب على الله سبحانه وتعالى حيث يقول :
" قال الله تعالى " الليل لي لا للقرآن يتلى , الليل لي لا للمحمدة والثناء " يقول تعالى " إن لك في النهار سبحاً طويلا " فاجعل الليل لي كما هو لي ... وما طلبتك لتتلو القرآن فتقف مع معانيه فإن معانيه تفرقك عني فآية تمشي بك في جنتي وما أعددت لأوليائي فيها فأين أنا إذا كنت أنت في جنتي مع الحور المقصورات في الخيام كأنهن الياقوت والمرجان متكئاً على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان , تسقى من رحيق مختوم مزاجه من تسنيم , وآية توقفك مع ملائكتي وهم يدخلون عليك من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار , وآية تستشرف بك على جهنم فتعاين ما أعددت فيها لمن عصاني وأشرك بي من سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم , وترى الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة , أين أنا يا عبدي إذا تلوت هذه الآية وأنت بخاطرك وهمتك في الجنة تارة وفي جهنم تارة , ثم تتلو آية فتمشي بك في القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد , وترى في ذلك اليوم من هذه الآية يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه , وترى العرش في ذلك اليوم تحمله ثمانية أملاك وفي ذلك اليوم تعرضون , فها أنت يا عبدي في النهار في معاشك وفي الليل فيما تعطيه تلاوتك من جنة ونار وعرض , فأنت بين آخرة ودنيا وبرزخ , فما تركت لي وقتاً تخلو بي فيه إلا جعلته لنفسك , والليل لي يا عبدي لا للمحمدة والثناء " [1] .
هذا وقد حكى الشعراني عن أبي عبد الله عمرو بن عثمان المكي أنه رأى الحسين بن منصور يوماً وهو يكتب شيئاً فقال : ما هذا ؟
فقال : هو ذا أعارض القرآن [2] .
هذا ما قاله كبير القوم , وأما ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيروي ابن عمر رضي الله عنه أنه قال :
( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار , ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار ) [3] .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن سيد بن حضير قال : ( بينما هو يقرا من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت , فقرأ فجالت فسكت فسكنت , ثم قرأ فجالت الفرس فأنصرف , وكان أبنه يحيى قريباً منها فأشفق أن تصيبه , ولما أخره رفع رأسه إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح , فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
وتدري وما ذاك ؟ قال : لا , قال : ( تلك الملائكة ونت لصوتك , ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم ) [4] .
[1] شرح كلمات الصوفية لمحمود الغراب ص 256 , 257 .
[2] طبقات الشعراني ج 1 ص 88 .
[3] متفق عليه .
[4] متفق عليه واللفظ للبخاري .