الموضع الثالث والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( من المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد علي ، فإن أبا بكر كان موسراً ، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نفعني مال كمال أبي بكر " وعلي كان فقيراً ، وأبو بكر أعظم جهاداً بنفسه ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى ).
تعليق
قد عرفنا طريقة شيخ الإسلام في مواجهة اتهام الروافض للخلفاء الثلاثة ، وهي أنه يحرجهم بأن ما حصل منهم من خير كان أكثر مما حصل من علي ، وهذا لا خلاف فيه عند أهل السنة ، ويشهد له الواقع التاريخي ، وإبراز هذا الشيء من الشيخ هو لهدف إسقاط شبهة الرافضة بتفضيل علي عليهم .
ومن المعلوم للجميع أن أبا بكر كان أكثر إنفاقاً على الدعوة الإسلامية أكثر من علي ، لأن أبا بكر كان موسراُ ، وأما علي فكان فقيراً ، وفي هذا عذر له عند أهل العقول الصحيحة التي لم تختلق له الأكاذيب .
الموضع الرابع والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وعمر قد وافق ربه في عدة أمور ، يقول شيئاً وينزل القرآن بموافقته . قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : ( وأتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ، وقال إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن بالحجاب ، فنزلت آية الحجاب . وقال : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات ، فنزلت كذلك . وأمثال ذلك . وهذا كله ثابت في الصحيح . وهذا أعظم من تصويب علي في مسألة واحدة .
وأما التفضيل بالإيمان والهجرة والجهاد ، فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ، فليس ها هنا فضيلة اختص بها علي ، حتى يقال : أن هذا لم يثبت لغيره ) .
تعليق
قد مر معنا أن شيخ الإسلام يركز على تقرير حقيقة مهمة تنقض أصول الروافض ، وهي أن جميع الفضائل الثابتة لعلي هي مشتركة بينه وبين غيره ، فلهذا لا يحق للرافضة أن تجعل من هذه الفضائل المشتركة وسيلة إلى بيان أحقيته بالخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنهم إن قالوا بهذا ، فسيأتي غيرهم ممن ينازعهم ويدعي لغيره هذا الحق ، ممن شاركوه في الفضائل .
وهذا الموضع هو مثال للحقيقة السابقة .
الموضع الخامس والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وبالجملة فباب الإنفاق في سبيل الله وغيره ، لكثير من المهاجرين والأنصار فيه من الفضيلة ما ليس لعلي ، فإنه لم يكن لــه مال على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم )
تعليق
قد سبق مثل هذا .
الموضع السادس والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( إنه لم يكن لعلي في الإسلام أثر حسن ، إلا ولغيره من الصحابة مثله ، ولعضهم آثار أعظم من آثاره . وهذا معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل ، وأما من يأخذ بنقل الكذابين وأحاديث الطرقية ، فباب الكذب مفتوح ، وهذا الكذب يتعلق بالكذب على الله ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بالحق لما جآءه )
ومجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم تسع مغاز ، والمغازي كلها بض وعشرون غزاة ، وأما السرايا فقد قيل : إنها تبلغ سبعين .
ومجموع من قتل من الكفار في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون ألفاً أو أكثر أو أقل ، ولم يقتل علي منهم عشرهم ولا نصف عشرهم ، وأكثر السرايا لم يكن يخرج فيها . وأما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشهد شيئاً من الفتوحات ، لا هو ، ولا عثمان ، ولا طـلـحة ، ولا الزبير إلا أن يخرجوا مع عمر حين خرج إلى الشام . وأما الـزبـيـر فقد شهد فتح مصر ، وسعد شهد فتح القادسية ، وأبو عبيدة فتح الشام .
فكيف يكون تأييد الرسول بواحد من أصحابه دون سائرهم والحال هذه ؟ وأين تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوه تحت الشجرة والتابعين لهم بإحسان ؟
وقد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويوم أحد نحو سبعمائة ، ويوم الخندق أكثر من ألف أو قريباُ من ذلك ، ويوم بيعة الرضوان ألفاً وأربعمائة ، وهم الذين شهدوا فتح خيبر ، ويوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف ، ويوم حنين كانوا اثني عشر ألفاً : تلك العشرة ، والطلقاء ألفان . وأما تبوك فلا يحصى من شهدها ، بل كانوا أكثر من ثلاثين ألفاً . وأما حجة الوداع فلا يحصى من شهدها معه ، وأيده الله بهم في حياته باليمن وغيرها ، وكل هؤلاء من المؤمنين الذين أيده الله بهم ،بل كل من آمن وجاهد إلى يوم القيامة دخل في هذا المعنى )
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على ادعاء الروافض بأن علياً هو الذي أيد الرسول صلى الله عليه وسلم في حروبه وغزواته دون غيره من الصحابة ؟
الموضع السابع والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله ، ولكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان ، ولا كان جهاده للكفار والمرتدين أعظم من جهاد هؤلاء ، ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم مما حصل بهؤلاء ، بل كل منهم لــه سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام ، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء ، فهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون ، الذين قضوا بالحق ، وبه كانوا يعدلون .
وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم ، فيجعلهم كفاراً أو فساقاً ظلمة ، ويأتي إلى من لم يجر علي يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحد منهم ، فيجعله الله أو شريكاً لله ، أو شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو الإمام المعصوم الذين لا يؤمن إلا من جعله معصوماً منصوصاً عليه ، ومن خرج عن هذا فهو كافر ويجعل الكفار المرتدين الذين قاتلهم أولئك كانوا مسلمين ، ويجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات الخمس ، ويصومون شهر رمضان ، ويحجون البيت ، ويؤمنون بالقرآن يجعلهم كفاراً لأجل قتال هؤلاء .
فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام ، عمل من لا عقل له ولا دين ولا إيمان )
تعليق
هذا الموضع سبق نقله عند تقدير موقف شيخ الإسلام من علي رضي الله ومن الروافض ، وهو من أهم المواضع ، لأنه يبين حقيقة موقف الشيخ من علي رضي الله عنه ، وأنه يحبه ويجعله من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ، ولكنه لا يغلو فيه كغلو الرافضة فيفضله على الثلاثة .
الموضع الثامن والثلاثون : قال شيخ الإسلام:
عن تسلسل الخلافة بين الخلفاء الراشدين : ( ثم إن المسلمين بايعوه ودخلوا في طاعته ، والذين بايعوه هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وهم أهل الإيمان والهجرة والجهاد ، ولم يختلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة.
وأما علي وسائر بني هاشم فلا خلاف بين الناس أنهم بايعوه ، لكن تخلف فإنه كان يريد الإمرة لنفسه ، رضي الله عنهم أجمعين . ثم إنه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين والمشركين ، ولم يقاتل المسلمين ، بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة ، وأخذ يزيد الإسلام فتوحاً ، وشرع في قتال فارس والروم ، ومات والمسلمون محاصرو دمشق ،وخرج منها أزهد مما دخل فيها : لم يستأثر عنهم بشيء ، ولا أمر له قرابة .
ثم ولي عليهم عمر بن الخطاب ، ففتح الأمصار ، وقهر الكفار ، وأعز أهل الإيمان ، وأذل أهل النفاق والعدوان ، ونشر الإسلام والدين ، وبسط العدل في العالمين ، ووضع ديوان الخراج والعطاء لأهل الدين ، ومصر الأمصار للمسلمين ، وخرج منها أزهد مما دخل فيها : لم يتلوث لهم بمال ، ولا ولى أحداً من أقاربه ولاية ، فهذا أمر يعرفه كل أحد .
وأما عثمان فإنه بنى على أمر قد استقر قلبه بسكينة وحلم ، وهدى ورحمة وكرم ن ولم يكن فيه قوة عمر ولا سياسته ، ولا فيه كمال عدله وزهده ، فطمع فيه بعض الطمع ، وتوسعوا في الدنيا ، وأدخل من أقاربه في الولاية والمال ، ودخلت بسبب أقاربه في الولايات والأموال أمور أنكرت عليه ، فتولد من رغبة بعض الناس في الدنيا ،وضعف خوفهم من الله ومنه ، ومن ضعفه هو ، وما حصل م أقاربه في الولاية والمال ما أوجب الفتنة ، حتى قتل مظلوماً شهيداً.
وتولى علي على إثر ، ذلك والفتنة قائمة ، وهو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان ، والله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه ، والمبغضون لــه ن كما نعلم براءته مما نسبه إليه الغالون فيه ، المبغضون لغيره من الصحابة ، فإن علياً لم يعن على قتل عثمان ولا رضي به ، كما ثبت عنه – وهو الصادق – أنه قال ذلك ، فلم تصف له قلوب كثير منهم ، ولا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه ، ولا اقتضى رأيه أن يكف عن القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر ، بل اقتضى رأيه القتال ، وظن أنه به تحصل الطاعة والجماعة ، فما زاد الأمر إلا شدة ، وجانبه إلا ضعفاً ، وجانب من حاربه إلاقوة ، والأمة إلا افتراقاً ، حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يكف عنه من قاتله ، كما كان في أول الأمر يطلب منه الكف .
وضعفت خلافة النبوة ضعفاً أوجب أن تصير ملكا ، فأقامها معاوية ملكاً برحمة وحلم ، كما في الحديث المأثور : " تكون نبوة ورحمة ، ثم تكون خلافة نبوة ورحمة ، ثم تكون ملك ورحمة ن ثم يكون ملك " ولم يتول أحد من الملوك خيراً من معاوية ، فهو خير ملوك الإسلام ، وسيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده ، وعلي آخر الخلفاء الراشدين ، الذين هم ولايتهم خلافة نبوية ورحمة ، وكل من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يشهد لـه بأنه أفضل أولياء الله المتقين ، بل هؤلاء الأربعة أفضل خلق الله بعد النبيين ، لكن إذا جاء القادح فقال في أبي بكر وعمر : إنهما كانا ظالمين متعديين طالبين للرئاسة مانعين للحقوق ، وأنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة ، وأنهما – ومن أعانهما – ظلموا الخليفة المستحق المنصوص عليه من جهة الرسول ، وإنهم منعوا أهل البيت ميراثهم ، وإنهما كانا من أحرص الناس على الرئاسة والولاية الباطلة ، مع ما قد عرف من سيرتهما – كان من المعلوم أن هذا الظن لو كان حقا لهو أولى بمن قاتل عليها حتى غلب ، وسفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه وبين منازعه ، ولم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين ولا مصلحة الدنيا ، ولا قوتل في خلافته كافر ، ولا فرح مسلم ، فإن علياً لا يفرح بالفتنة بين المسلمين ، وشيعته لم تفرح بها ، لأنها لم تغلب ، والذين قاتلوه لم يزالوا أيضاً في كرب وشدة .
وإذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج ، مع ظهور هذه الشبهة ، فلأن ندفع من يقدح في أبي بكر وعمر بطريق الأولى والأحرى .
وإن جاز أن يظن بأبي بكر أنه كان قاصداً للرئاسة بالباطل ، مع أنه لم يعرف منه إلا ضد ذلك ، فالظن بمن قاتل على الولاية – ولم يحصل له مقصوده – أولى وأحرى .
فإذا ضرب مثل هذا وهذا بإمامي مسجد ، وشيخي مكان ، أو مدرسي مدرسة – كانت العقول كلها تقول : إن هذا أبعد عن طلب الرئاسة ، وأقرب إلى قصد الدين والخير .
فإذا كنا نظن بعلي أنه كان قاصداً للحق والدين ، وغير مريد علوا في الأرض ولا فساداً ، فظن ذلك بأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – أولى وأحرى .
وإن ظن ظان بأبي بكر أنه كان يريد العلو في الأرض والفساد ، فهذا الظن بعلي أجدر وأولى .
أما أن يقال : أن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد ، وعلي لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فساداً ، مع ظهور السيرتين – فهذا مكابرة ، وليس فيما تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك ، بل المتواتر من السيرتين يدل على أن سيرة أبي بكر أفضل .
ولهذا كان الذين ادعوا هذا لعلي أحالوا على ما لم يعرف ، وقالوا: ثم نص على خلافته كتم ، وثم عداوة باطنة لم تظهر ، بسببها منع حقه.
ونحن الآن مقصودنا أن نذكر ما علم وتيقن وتواتر عند العامة والخاصة ، وأما ما يذكر من منقول يدفعه جمهور الناس ، ومن ظنون سوء لا يقوم عليها دليل بل نعلم فسادها ، فالمحتج بذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس ، وهو من جنس الكفار وأهل الباطل ، وهي مقابلة بالأحاديث من الطرق الأخر .
ونحن لم نحتج بالأخبار التي رويت من الطرفين ، فكيف بالظن الذي لا يغني من الحق شيئاً ؟
فالمعلوم المتيقن المتواتر عند العام والخاص أن أبا بكر كان أبعد عن إرادة العلو والفساد من عمر وعثمان وعلي ، فضلاً عن علي وحده ، وأنه كـان أولى بـإرادة وجـه الله تعالى وصلاح المسلمين من الثلاثة )
تعليق
في هذا الموضع الطويل يعيد شيخ الإسلام ما سبق أن قرره كثيراً ، وهو أن الرافضة إذا طعنت في الخلفاء الثلاثة ، فسيطعن الخوارج والنواصب في علي بمثل طعنهم ، فالأولى بالطائفتين أن تلزما منهج أهل السنة والجماعة الذي يحب الخلفاء الأربعة جميعاً ، ويحفظ جهادهم ، ويحمل ما حصل من بعضهم من اجتهادات على المحمل الحسن ، لأنهم قوم قد زكاهم الله وأثنى عليهم .
الموضع التاسع والثلاثون : قال شيخ الإسلام :
( وبالجملة فلا بد من كمال حال أبي بكر وعمر وأتباعهما ، فالنقص الذي حصل في خلافة علي ( فلا بد ) من إضافة ذلك : وإما إلى الإمام ، وإما إلى أتباعه ، وإما إلى المجموع .
وعلى كل تقدير فيلزم أن يكون أبو بكر وعمر وأتباعهما أفضل من علي وأتباعه ، فإنه كان سبب الكمال والنقص من الإمام ظهر فضلهما عليه ، وإن كان من أتباعه كان المقرون بإمامتهما أفضل من المقرين بإمامته ، فتكون أهل السنة أفضل من الشيعة ، وذلك يستلزم كونهما أفضل منه ، لأن ما امتاز به الأفضل أفضل مما امتاز به المفضول .
وهذا بين لمن تدبره ، فإن الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقاتلوا معهم ، هم أفضل من الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه ، فإن أولئك فيهم من عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه .
وعامة السابقين الأولين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما توفي منهم أو قتل في حياته قليل منهم .
والذين بايعوا علياً كان فيهم من السابقين والتابعين بإحسان بعض من بايع أبا بكر وعمر وعثمان . وأما سائرهم فمنهم من لم يبايعه ولم يقاتل معه ، كسعد بن أبي وقاص ، وأسامة بن زيد ، وابن عمر ، ومحمد بن مسلمة ، وزيد بن ثابت ، وأبي هريره ، وأمثال هؤلاء من السابقين ، والذين اتبعوهم بإحسان .
ومنهم من قاتله ، كالذين كانوا مع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية من السابقين والتابعين .
وإذا كان الذين بايعوا الثلاثة وقاتلوا معهم أفضل من الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه ، لزم أن يكون كل من الثلاثة أفضل ، لأن علياً كان موجوداً على عهد الثلاثة ، فلو كان هو المستحق للإمامة دون غيره ، كما تقوله الرافضة ، أو كان أفضل وأحق بها ، كما يقوله من يقوله من الشيعة ، لكان أفضل الخلق قد عدلوا عما أمرهم الله به ورسوله به إلى ما لم يؤمروا به ، بل ما نهو عنه ، وكان الذين بايعوا علياً وقاتلوا معه فعلوا ما أمروا به .
ومعلوم أن من فعل ما أمر الله به ورسوله كان أفضل ممن تركه وفعل ما نهى الله عنه ورسوله ، فلزم لو كان قول الشيعة حقاً أن يكون أتباع علي أفضل . وإذا كانوا هم أفضل وإمامهم أفضل من الثلاثة ، لزم أن يكون ما فعلوه من الخير أفضل مما فعله الثلاثة .
وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار ، الذي تواترت به الأخبار ، وعلمته البوادي والحضار ، فإنه في عهد الثلاثة جرى من ظهور الإسلام وعلوه ، وانتشاره ونموه ، وانتصاره ، وعزه ، وقمع المرتدين ، وقهر الكفار من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم – ما لم يجر بعدهم مثله .
وعلي رضي الله عنه فضله الله وشرفه بسوابقه الحميدة وفضائله العديدة ، لا بما جرى في زمن خلافته من الحوادث بخلاف أبي بكر وعمر وعثمان ، فإنهم فضلوا مع السوابق الحميدة والفضائل العديدة ، بما جرى في خلافتهم من الجهاد في سبيل الله ، وإنفاق كنوز كسرى وقصير ، وغير ذلك من الحوادث المشكورة ، والأعمال المبرورة .
وكان أبو بكر وعمر أفضل سيرة وأشرف سريرة من عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين . فلهذا كانا أبعد عن الملام وأولى بالثناء العام ، حتى لم يقع في زمنهما شيء من الفتن ، فلم يكن للخوارج في زمنهما لا قول مأثور ، ولا سيف مشهور ، بل كان كل سيوف المسلمين مسلولة على الكفار ، وأهل الإيمان في إقبال ، وأهل الكفر في إدبار )
تعليق
قد تكرر مثل هذا الموضع ، وهو من زيادة التفصيل لمنهج شيخ الإسلام – الذي عرفناه – في مواجهة شبه الرافضة .
الموضع الأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأيضاً فعلي تعلم من أبي بكر بعض السنة ، وأبو بكر لم يتعلم من علي شيئاً . ومما يبين هذا أن علماء الكوفة الذين صحبوا عمر وعلياً ، كعلقمة والأسود وشريح وغيرهم ، كانوا يرجحون قول عمر على قول علي . وأما تابعوا المدينة ومكة والبصرة ، فهذا عندهم أظهر وأشهر من أن يذكر ، وإنما ظهر علم علي وفقهه في الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته ، وكل شيعة علي الذين صحبوه لا يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر وعمر ، لا في فقه ولا علم ولا دين ، بل كل شيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي بكر وعمر ، إلا من كان ينكر عليه ويذمه ، مع قتلهم وحقارتهم وخمولهم ) .
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على شبهة الرافضة في ادعاء أحقية علي بالخلافة لأنه أعلم من غيره ، فيثبت الشيخ عكس ذلك .
الموضع الحادي والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( ومما يبين ذلك أن علياً لم يعرف المستقبلات أنه في ولايته وحروبه في زمن خلافته كان يظن أشياء كثيرة فيتبين لــه الأمر بخلاف ما ظن ، ولو ظن أنه إذا قاتل معاوية وأصحابه يجري ما جرى لم يقاتلهم ، فإنه كان لو لم يقاتل أعز وانتصر ، وكان أكثر الناس معه ، وأكثر البلاد تحت ولايته ، فلما قاتلهم ضعف أمره ، حتى صار معهم كثير من البلاد التي كانت في طاعته ، مثل مصر واليمن ، وكان الحجاز دولاً.
ولو علم أنه إذا حكم الحكمين يحكمان بما حكما لم يحكمهما . ولو علم أن أحدهما يفعل بالآخر ما فعل حتى يعزلاه ، لم يول من يوافق على عزله ، ولا من خذله الحكم الآخر ) .
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على غلو الرافضة في ادعائهم أن علياً يعلم المستقبلات ؟ ويوضح لهؤلاء الجهلة خطأ ذلك من خلال ما ثبت تاريخياً عنه – رضي الله عنه - .
الموضع الثاني والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأما الطريق النظرية فقد ذكر من ذكره من العلماء ، فقالوا : عثمان كان أعلم بالقرآن ، وعلي أعلم بالسنة ، وعثمان أعظم جهاداً بماله ، وعلي أعظم جهاداً بنفسه ، وعثمان أزهد في الرياسة ، وعلي أزهد في المال ، وعثمان أورع عن الدماء ، وعلي أورع عن الأموال ، وعثمان حصل له من جهاد نفسه حيث صبر عن القتال ولم يقاتل ما لم يحصل مثله لعلي .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله " .
وسيرة عثمان في الولاية كانت أكمل من سيرة علي ، فقالوا : فثبت أن عثمان أفضل ، لأن القرآن أعظم من علم السنة .
وفي صحيح مسلم – وغيره – أنه قال : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة " .
وعثمان جمع القرآن كله بلا ريب ، وكان أحياناً يقرؤه في ركعة . وعلي قد اختلف فيه : هل حفظ القرآن كله أم لا ؟
والجهاد بالمال مقدم على الجهاد بالنفس ، كما في قــولــه تعالى : ( وجهدوا بأمولكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم ) الآيـة ، وقــولـه : ( الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا في سبيل الله بأمولهم وأنفسهم ) الآية ، وقوله : ( إن الذين ءامنوا وهاجروا وجهدوا بأمولهم وأنـفسهـم في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك بعضهم أوليآء بعض ) .
وذلك لأن الناس يقاتلون دون أموالهم ، فإن المجاهد بالمال قد أخرج ماله حقيقة لله ، والمجاهد بنفسه لله يرجو النجاة ، لا يوافق أنه يقتل في الجهاد . ولهذا أكثر القادرين على القتال يهون على أحدهم أن يقاتل ، ولا يهون عليه إخراج ماله ، ومعلوم أنهم كلهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ، لكن منهم من كان جهاده بالمال أعظم، ومنهم من كان جهاده بالنفس أعظم .
وأيضاً فعثمان له من الجهاد بنفسه بالتدبير في الفتوح ما لم يحصل مثله لعلي ، وله من الهجرة إلى أرض الحبشة ما لم يحصل مثله لعلي ، وله من الذهاب إلى مكة يوم صلح الحديبية ما لم يحصل مثله لعلي ، وإنما بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان لما بلغه أن المشركين قتلوا عثمان ، وبايع بإحدى يديه عن عثمان، وهذا من أعظم الفضل ، حيث بايع عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
وأما الزهد والورع في الرياسة والمال ، فلا ريب أن عثمان تولى ثنتي عشرة سنة ، ثم قصد الخارجون عليه قتله ، وحصروه وهو خليفة الأرض ، والمسلمون كلهم رعيته ، وهو مع هذا لم يقتل مسلماً ، ولا دفع عن نفسه بقتال ، بل صبر حتى قتل .
لكنه في الأموال كان يعطي لأقاربه من العطاء ما لا يعطيه لغيرهم ، وحصل منه نوع توسع في الأموال ، وهو رضي الله عنه ما فعله إلا متأولاً فيه ، لــه اجتهاد وافقه عليه جماعة من الفقهاء ، منهم من يقول : إن ما أعطاه الله للنبي من الخمس والفيء هو لمن يتولى الأمر بعده ، كما هو قول أبي ثور وغيره ، ومنهم من يقول : ذوو القربى المذكورون في القرآن هم ذوو قربى الإمام . ومنهم من يقول : الإمام العامل على الصدقات يأخذ منها مع الغنى . وهذه كانت مأخذ عثمان رضي الله عنه ، كما هو منقول عنه . فما فعله هو نوع تأويل يراه طائفة من العلماء .
وعلي رضي الله عنه لم يخص أحداً من أقاربه بعطاء ، ولكن ابتداء بالقتال لمن لم يكن مبتدئاً له بالقتال ، حتى قتل بينهم ألوف مؤلفة من المسلمين ، وإن كان ما فعله هو متأول فيه تأويلات وافقه عليه طائفة من العلماء . وقالوا : أن هؤلاء بغاة ، والله تعالى أمر بقتال البغاة بقوله : ( فقتلوا التي تبغي ) .
تعليق
في هذا الموضع يرد الشيخ على مزاعم الرافضة وطعونهم في عثمان رضي الله عنه وأنه قد حصلت منه أمور استوجبت عدم أحقيته بالخلافة ، فبين لهم الشيخ أن ما اتهمتموه به فقد حدث أعظم منه – على رأيكم – من علي – رضي الله عنه - ، فلماذا لا تتهمونه أيضاً ؟
وفي هذا إسكات للرافضة عن قول الإثم .
الموضع الثالث والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( ما ذكره من فضائله التي هي عند الله فضائل ، فهي حق . لكن للثلاثه ما هو أكمل منها .
وأما ما ذكره من الفضيلة بالقرابة ، فعنه أجوبة :
أحدها : أن هذا ليس هو عند الله فضيلة ، فلا عبرة به ، فإن العباس أقرب منه نسباً ، وحمزة من السابقين الأولين من المهاجرين ، وقد روي أنه " سيد الشهداء " وهو أقرب نسباً منه.
وللنبي صلى الله عليه وسلم من بني العم عدد كثير ، كجعفر ، وعقيل ، وعبدالله ، وعبيد الله ، والفضل ، وغيرهم من بني العباس، وكربيعة ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب .
وليس هؤلاء أفضل من أهل بدر ، ولا من أهل بيعة الرضوان ، ولا من السابقين الأولين ، إلا من تقدم بسابقته ، كحمزة وجعفر ، فإن هذين – رضي الله عنهما – من السابقين الأولين . وكذلك عبيدة بن الحارث الذي استشهد يوم بدر .
وحينئذ فما ذكره من فضائل فاطمة والحسن والحسين لا حجة فيه ، مع أن هؤلاء لهم من الفضائل الصحيحة ما لم يذكره هذا المصنف ، ولكن ذكر ما هو كذب ، كالحديث الذي رواه أخطب خوارزم : أنه لما تزوج علي بفاطمة زوجه الله إياها من فوق سبع سموات ، وكان الخاطب جبريل ، وكان إسرافيل وميكائيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً .
وهذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث .
وكذلك الحديث الذي ذكره عن حذيفة .
الثاني : إن يقال إن كان إيمان الأقارب فضيلة ، فأبو بكر متقدم في هذه الفضيلة . فإن أباه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم باتفاق الناس ، وأبو طالب لم يؤمن . وكذلك أمه آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأولاده ، وأولاد أولاده ، وليس هذا لأحد من الصحابة غيره . فليس في أقارب أبي بكر – ذرية أبي قحافة – لا من الرجال ولا من النساء إلا من قد آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بنته ، وكانت أحب أزوجه إليه . وهذا أمر لم يشركه فيه أحد من الصحابة إلا عمر ، ولكن لم تكن حفصة ابنته بمنزلة عائشة ، بل حفصة طلقها ثم راجعها ، وعائشة كان يقسم لها ليلتين ، لما وهبتها سودة ليلتها .
ومصاهرة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم كانت على وجه لا يشاركه في أحد ، وأما مصاهرة علي فقد شركه فيها عثمان ، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنتاً بعد بنت ، وقال : " لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان " ولهذا سمي ذو النورين : زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أكبر بناته زينب وحمد ومصاهرته ) .
تعليق
في هذا الموضع يرد شيخ الإسلام على زعم الرافضة بأن علياً أحق بالخلافة لأنه قريب للنبي صلى الله عليه وسلم فبين لهم أن هذا ثابت لغيره من الصحابة فلماذا لا تدعون ذلك فيهم ؟
الموضع الرابع والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأما كون صبي من الصبيان قبل النبوة سجد لصنم أو لم يسجد ؟ فهو لم يعرف . فلا يمكن الجزم بأن علياً أو الزبير ونحوهما لم يسجدوا لصنم ، كما أنه ليس معنا نقل بثبوت ذلك ، بل ولا معنا نقل معين عن أحد من الثلاثة أنه سجد لصنم . بل هذا يقال لأن من عادة قريش قبل الإسلام أن يسجدوا للأصنام ، وحينئذ فهذا ممكن في الصبيان ، كما هو العادة في مثل ذلك ) .
تعليق
يرد شيخ الإسلام في هذا الموضع على زعم الرافضة بأن علياً أفضل من الثلاثة لأنه لم يسجد لصنم فبين لهم الشيخ بأن هذا لم يثبت بطريق صحيح ، كما أنه لم يثبت أن أحداً من الخلفاء الثلاثة سجد لصنم ، فلماذا التفضيل بالكذب ؟
الموضع الخامس والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( الذين أنكروا على علي وقاتلوه أكثر بكثير من الذين أنكروا على عثمان وقتلوه ، فإن علياً قاتله بقدر الذين قتلوا عثمان أضعافاً مضاعفة ، وقطعه كثير من عسكره : خرجوا عليه وكفروه ، وقالوا : أنت ارتددت عن الإسلام ، لا نرجع إلى طاعتك حتى تعود إلى الإسلام .
ثـم إن أحـداً من هؤلاء قتله قتل مستحل لقتله ، متقرب إلى الله بقتله ، معتقداً فيه أقبح مما اعتقده قتله عثمان فيه .
فإن الذين خرجوا على عثمان لم يكونوا مظهرين لكفره ، وإنما كانوا يدعون الظلم ، وأما الخوارج لكانوا يجهرون بكفر علي ، وهم أكثر من السرية التي قدمت المدينة لحصار عثمان حتى قتل .
فإن كان هذا حجة في القدح في عثمان ، كان ذلك حجة في القدح في علي بطريق الأولى . والتحقيق أن كليهما حجة باطلة ، لكن القادح في عثمان بمن قتله أدحض حجة من القادح في علي بمن قاتله ، فإن المخالفين لعلي المقاتلين لــه كانوا أضعاف المقاتلين لعثمان ، بل الذين قاتلوا علياً كانوا أفضل بإتفاق المسلمين من الذين حاصروا عثمان وقتلوه ، وكان في المقاتلين لعلي أهل زهد وعبادة ، ولم يكن قتله عثمان لا في الديانة ولا في إظهار تكفيره مثلهم . ومع هذا فعلي خليفة راشد ، والذين استحلوا دمه ظالمون معتدون ، فعثمان أولى بذلك من علي ) .
تعليق
في هذا الموضع يدافع شيخ الإسلام عن عثمان – رضي الله عنه – ويبين فضله على علي كما هو منهج أهل السنة ، لا كما تدعي الرافضة .
الموضع السادس والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحها قوله يوم خيبر : " لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله " . وقوله في عزوة تبوك : " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " . ومنها دخوله لي المباهلة وفي الكساء ، ومنها قوله : " أنت مني وأنا منك " . وليس في شيء من ذلك خصائص .
وحديث " لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " ومنها ما تقدم من حديث الشورى ، وإخبار عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو راض عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبدالرحمن .
فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث ، ليس فيها ما يختص به . ولأبي بكر في الصحاح نحو عشرين حديثاً أكثرها خصائص .
وقول من قال : صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره ، كذلك لا يقوله أحمد ولا غيره من أئمة الحديث ، لكن قد يقال : روي لــه ما لم يرو لغيره ، لكن أكثر ذلك من نقل من علم كذبه أو خطؤه . ودليل واحد صحيح المقدمات سليم عن المعارضة ، خير من عشرين دليلاً مقدماتها ضعيفة ، بل باطلة ، وهي معارضة بأصح منها يدل على نقيضها .
والمقصود هنا بيان اختصاصه في الصحبة الإيمانية بما لم يشركه مخلوق ، لا في قدرها ولا في صفتها ولا في نفعها ، فإن لو أحصى الزمان الذي كان يجتمع في أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والزمان الذي كان يجتمع به فيه عثمان أو علي أو غيرهما من الصحابة ، لوجد ما يختص به أبو بكر أضعاف ما اختص به واحد منهم ، لا أقول ضعفه .
وأما المشترك بينهم فلا يختص به واحد .
وأمـا كـمال معـرفته ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وتصديقه له ، فهو مبرز في ذلك على سائرهم تبريزاً باينهم فيه مباينة لا تخفى من كان له معرفة بأحوال القوم ، ومن لا معرفة له بذلك لم تقبل شهادته .
وأما نفـعه للنبي صلى الله عليه وسلـم ومـعــاونـته لــه على الــديـن فكذلك .
فهذه الأمور التي هي مقاصد الصحبة ومحامدها ، التي بها يستحق الصحابة أن يفضلوا بها على غيرهم ، لأبي بكر فيها من الاخـتـصاص بقدرها ونوعها وصفتها وفائدتها ما لا يشركه فيه أحد.
ويدل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي الدرداء ، قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثـوبـه حتى أبـدى عـن ركبتيه ، فقـال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما صاحبكم فقد غامر فسلم ) . وقال : إن كان بيني وبين ابن الخطاب شيء ، فأسرعت إليه ، ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي ، فأقبلت إليك ، فقال : ( يغفر الله لك يا أبا بكر ) ثلاثاً . ثـم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر ، فسأل : أثم أبو بكر ؟ قالوا : لا 0فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل وجه النبي صلى الله عـليه وسلـم يتـمعر ، حتى أشفق أبو بكر ن فجثا على ركبتيه ، وقال : يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم . مرتين .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت . وقال أبو بكـر : صدق . وواساني بنـفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " مرتين . فما أوذي بعدها ) .
تعليق
في هذا الموضع يبين شيخ الإسلام فضل أبي بكر على غيره من الصحابة – ومنهم علي - ، وأن لـه من الفضائل ما لم يشركه فيها أحد ، بخلاف علي ، وقد مر مثل هذا .
الموضع السابع والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( قوله : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) وهذه لأبي بكر ودون علي ، لأن أبا بكر كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة الإيمان أن هداه الله به ، وتلك النعمة لا يجزى بها الخلق ، بل أجر الرسول فيها على الله ، كما قال تعالى : ( قل مآ أسئلكم عليه من أجر ومآ أنا من المتكلفين ) ، وقال ( قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجرى إلا على الله ) .
وأما النعمة التي يجزى بها الخلق فهي نعمة الدنيا ، وأبو بكر لم تكن للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة الدنيا ، بل نعمة دين ، بخلاف علي ، فإنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة دنيا يمكن أن تجزى .
الثالث : أن الصديق لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب يواليه لأجله ، ويخرج ماله ، إلا الإيمان ، ولم ينصره كما نصره أبو طالب لأجل القرابة ، وكان كاملاً في إخلاصه لله تعالى ، كما قال : ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 ) ولسوف يرضى ) .
وكـذلك خـديـجة كانت زوجته ، والزوجة قد تنفق ما لها على زوجها ، وإن كان دون النبي صلى الله عليه وسلم .
وعلي لو قدر أنه أتفق ، لكان على قريبه ، وهذه أسباب قد يضاف الفعل إليها بخلاف إنفاق أبي بكر ، فإنه لم يكن له سبب إلا الإيمان بالله وحده ، فكان من أحق المتقين بتحقيق قوله : ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) .
تعليق
يـرد شيخ الإسلام في هـذا الموضع على زعـم الـرافـضي بـأن آيـة ( وسيجنبها الأتقى ).. الآية لم تنزل في أبي بكر ، ثم وضح أن أبا بكر – رضي الله عنه – له من بذل المال في سبيل الدعوة ما ليس لعلي – رضي الله عنه - ، وقد مر مثل هذا الموضع .
الموضع الثامن والأربعون : قال شيخ الإسلام :
( وأما قتال علي بيده ، فقد شاركه في ذلك سائر الصحابة الذين قاتلوا يوم بدر ، ولم يعرف أن علياً قاتل أكثر من جميع الصحابة يوم بدر ولا أحد ولا غير ذلك .
ففضيلة الصديق مختصة به لم يشركه فيها غيره ، وفضيلة علي مشتركة بينه وبين سائر الصحابة ، رضي الله عنهم أجمعين ) .
تعليق
يقرر شيخ الإسلام هنا ما قرره في مواضع عديدة أن فضائل علي –رضي الله عنه - مشتركة بينه وبين الصحابة ، بخلاف أبي بكر – رضي الله عنه - ، فإذا قلتم بأحقية إنسان في الخلافة لتفرده في الفضائل فليس إلا أبو بكر ، وهذا ما لم تقولوا به ، فظهر تناقضكم وكذبكم .