حلق اللحية
وأما الصوفية فثبت منهم خلاف ذلك , فيقول الشعراني :
" وبعضهم ( الصوفية ) يحلّق رأسه وحواجبه ولحيته " [1] .
وبهذا صرح أبو نعيم الأصفهاني والعطار عن أبي بكر الشبلي نقلاً عن أحمد بن محمد النهاوندي أنه قال :
" مات للشبلي ابن كان أسمه غالبا , فجزّت أمه شعرها عليه , وكان للشبلي لحية كبيرة فأمر بحلق الجميع , فقيل له : يا أستاذ , ما حملك على هذا ؟
فقال : جزّت هذه شعرها على مفقود , فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود ؟ " [2] .
وإلى ذلك أشار ابن زروق في كتابه [3] .
وورد عن أبي يزيد البسطامي أيضاً أنه أمر مريده بحلق اللحية , والحكاية بكاملها ذكرها السهلجي , وأبن عجيبة , وعبد الغني الرافعي , فينقلون عن الحسن بن علي الدامغاني أنه قال :
" كان رجل من أهل يسطام لا ينقطع عن مجلس أبي يزيد ولا يفارقه . فقال له ذات يوم : أستاذ ! أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل , وقد تركت الشهوات وليس أجد في قلبي من هذا الذي تذكره شيئاً بتة . وأنا أؤمن بكل شيء , تقول وأصدّق به , فقال له أبو يزيد : لو صُمْتَ ثلثمائة سنة وأنت على ما أراك لا تجد من هذا العلم ذرة . قال : ولم يا أستاذ ؟ قال : لأنك محجوب بنفسك . قال له : فلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب ؟ قال : نعم ! ولكنك لا تقبل ولا تعمل . قال : بلى ! أنا أقبل وأعمل ما تقول . فقال له أبو يزيد : إذهب الساعة إلى الحجام وأحلق رأسك ولحيتك وانزع منك هذا اللباس وأتزر بعباء وعلق في عنقك مخلاة وأملأها جوزاً واجمع حولك صبياناً وقل بأعلى صوتك : يا صبيان ! من صفعني صفعة أعطيته جوزة . وأدخل إلى سوقك التي تعظم فيه وينظر إليك كلُّ من عرفك على هذه الحالة . فقال : يا أبا يزيد ! سبحان الله ! تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا ؟ فقال أبو يزيد : قولك : " سبحان الله " شرك . قال : وكيف ؟ قال أبو يزيد : لأنك عظمت نفسك فسبّحتها . فقال : يا أبا يزيد ! هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله , ولكن دُلّني على غير هذا حتى أفعله . فقال له أبو يزيد : ابتدأ بهذا قبل كل شيء حتى تّسقط جاهك وتّذل نفسك , ثم بعد ذلك أعرّفك ما يصلح لك . فقال : لا أطيق هذا . قال : قلت إنك لا تقبل وأنا لا أعلم " [4] .
فإذن لا يصلح أمر التصوف إلا لمن بادر إلى مخالفة الشرع بأمر شيخه ولم ينكر عليه , ولذلك كتب الشعراني :
" لا ينبغي لأحد أن يبادر إلى الإنكار على أمر شيخه بحلق لحيته , فربما كان ذلك من شيخه ليدفع به عنه الكبر والفخر " [5] .
فهل يندفع الكبر والفخر , وتتأتى اللذة في الصوم والصلاة والتلاوة بالخروج على الكتاب والسنة ؟
وبالمناسبة ننقل هنا ما قاله الأفلاكي نقلاً عن بعض مشايخه أنه قال :
" من سعادة المرء خفة لحيته , لأن اللحية حلية المرء , وفي كثرتها إعجاب المرء بنفسه , وهو من المهلكات " [6] .
رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق اللحية حيث أمر بإعفائها , وعدّها من الفطرة حيث قال : ( عشر من الفطرة : قص الشارب , وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم [7] ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء وقال الراوي : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ) [8] .
[1] الأخلاق المتبولية للشعراني ج1 ص 276 .
[2] حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 10 ص 370 , أيضاً تذكرة الأولياء للعطار ص 282 .
[3] انظر قواعد التصوف لابن زروق ص 87 ط مكتبة الكليات الأزهرية 1396 هـ .
[4] النور من كلمات أبي طيفور للسهلجي ص 112 , 113 , إيقاظ الهمم لابن عجيبة ص 36 , ترصيع الجواهر المكية لعبد الغني الرافعي ص 22 .
[5] الأخلاق المتبولية للشعراني ج1 ص 412 .
[6] مناقب العارفين ( فارس ) لشمس الدين أحمد الأفلاكي العارفي ج 1 ص 412 طهران 1362 هـ .
[7] أي العقد التي على ظهر مفاصل الأصابع .
[8] رواه مسلم .