قلة النوم
وأما تطرفهم في سهر الليالي وقلة النوم فيذكر الهجويري عن أبي الفوارس شاء بن شجاع الكرماني أنه ورد في آثاره أنه لم ينم لأربعين عاما , وعندما نام رأى الله سبحانه وتعالى في النوم , فقال : يا إلهي , كنت أطلبك بسهر الليالي فرأيتك في النوم .
فقال : يا شاه , لقد أدركت في النوم بغيتك بسهرك الليل , ولو كنت نمت هناك لما رأيت هنا [1] .
و حكى مثل ذلك الغزالي عن وهب بن منبه أنه دعا الله أن يرفع عنه النوم بالليل , فذهب عنه النوم أربعين سنة [2] .
ولكن الصوفية يروون عن مشائخهم أنهم لم يكونوا ينامون الليل ويقطعونه في الذكر والتلاوة كما ذكر أبن عجيبة الحسني :
" وقد كان منهم من يقطع الليل كله في ركعة , ويختم القرآن في كل ليلة " [3] .
ويحكي عبد السلام الفيتوري عن نفسه أنه يسبح سبعين ألفا وباسم الجلالة خمسمائة ألف في كل يوم وليلة , ويختم القرآن قبل أن يستقر الضيا " [4] .
ولكن القوم جعلوا الغلو والمغالاة من أصول الولاية والكرامة مسفهين العقل ومخالفين النقل , فينقل المنوفي الحسيني عن عبد الفتاح الشبلنجي الشاذلي أنه كان يصلي مائة وثمانين ركعة تهجدا كل ليلة , ويقرأ نصف القرآن كل نهار مع سبعين ألفا على المسبحة من أوراد و أذكار شتى [5] .
ونقل عن بعضهم أنه أدعى :
" أنا منذ ثلاثين سنة أصوم وأقوم الليل " [6] .
ونقل الجامي عن الجنيد أنه قال :
" ما رأيت أعبد من السري أتت عليه سبعون سنة ما رؤى مضطجعا إلا في علة الموت " [7] .
ونقل القوم عن عطاء السلمي أنه كان إذا جنّه الليل يخرج إلى المقابر فلا يزال يناجيهم إلى الفجر [8] .
وذكر الشعراني عن الربيع أنه كان يخرج إلى المقابر ويحي الليل كله هناك [9] .
ونقل الهجويري عن النوري أنه ظل يصرخ لمدة ثلاثة أيام وليال في بيته واقفا في مكان واحد [10] .
ولم يستحي الشعراني فيما نقل عن رابعة البصرية كانت تتوضأ كل ليلة وتتطيب وتقول لزوجها :
ألك حاجة ؟ فإن قال : لا , قامت إلى الصباح [11]
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا ﴾ [12] .
والحاصل أن الصوفية يفتخرون بكثرة التعبد وقيام الليل كله مع ورود النهي في محكم التنزيل لصفي الله ونجيّه ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾ [13] .
وروى عبد الله بن عباس رضي الله عنه ابن عم رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وحبر الأمة وترجمان القرآن , قال :
( بت عند خالتي ميمونة ليلة , والنبي صلى الله عليه وسلم عندها , فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة , ثم رقد , فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه قعد , فنظر إلى السماء فقرأ ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ حتى ختم السورة , ثم قام إلى القربة فأطلق شناقها , ثم صب في الجفنة , ثم توضأ وضوءا حسنا بين الوضوءين , لم يكثر وقد أبلغ , فقام فصلى , فقمت وتوضأت , فقمت عن يساره , فأخذ بأذني فأدراني عن يمينه , فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة , ثم أضطجع فنام حتى نفخ , وكان إذا نام نفخ , فآذنه بلال بالصلاة فصلى ) [14] .
وعن عبد الله بن عمرو , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود , كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه , وينام سدسه ) [15] .
625 - أَخْبَرَنَا عَبْدةُ، نا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْ، عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ مَا يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» مسند ابن راهويه
627 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، عَنْ، هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْهَيْئَةِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟» فَقُلْتُ: لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْ، مَهْ، اعْمَلُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا يَدُومُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا وَإِنْ قَلَّ» مسند ابن راهويه
[1] كشف المحجوب للهجويري ص 350 ترجمة عربية ط بيروت , أيضا تذكرة الأولياء للعطار ص 169 .
[2] مكاشفة القلوب للغزالي ص 30 ط الشعب القاهرة .
[3] إيقاظ الهمم لأبن عجيبة ص 460 .
[4] الوصية الكبرى للفيتوري ص 66 .
[5] أنظر جمهرة الأولياء للمنوفي الحسيني ج2 ص 274 ط مؤسسة الحلبي القاهرة .
[6] إيقاظ الهمم لأبن عجيبة الحسني ص 36 .
[7] نفحات الأنس لأبن عجيبة الحسني ص 36 .
[8] تنبيه المغتربين للشعراني ص 34 , 35 ط .
[9] الطبقات الكبرى للشعراني ج1 ص 28 .
[10] كشف المحجوب للهجويري ص 344 .
[11] تنبيه المغتربين للشعراني ص 35 .
[12] سورة الفرقان الآية 47 .
[13] سورة المزمل الآية 1 إلى 4 .
[14] متفق عليه .
[15] متفق عليه .