على كلم السمك
كتاب الإرشاد الجزء 1 صفحة 347 – 348 ما روي عن طغيان ماء الفرات في خلافته عليه السلام
ومن ذلكَ ما رواه نقلةُ الأخبارِ واشتهرَ في أهلِ الكوفةِ لاستفاضتهِ بينَهم وانتشَر الخبرُ به إِلى من عَداهم من أهلِ البلادِ، فأثْبَتَهُ العلماء من كلامِ الحِيتانِ له في فُراتِ الكُوفة .
وذلكَ أنَّهم روَوْا : أنَّ الماءَ طغى في الفراتِ وزادَ حتّى أشفقَ أهلُ الكوفة منَ الغرقِ ففَزِعوا إِلى أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ فرَكِبَ بغلةَ رسولِ اللهِ صلّى الله عليهِ والهِ وخرجَ والنّاسُ معَه حتّى أتى شاطئ الفراتِ فنزلَ عليه وأسبغَ الوضوءَ وصلّى منفرِداً بنفسهِ والنّاسُ يَرَوْنَه ثمّ دعا الله بدَعَوَاتٍ سَمِعَها أكثرُهم ثمّ تقدّمَ إِلى الفراتِ متوكئاً على قضيبٍ بيده حتّى ضربَ به صفحةَ الماءِ وقالَ : «انقُصْ بإِذنِ اللهِ ومشيئتِه» فغاضَ الماءُ حتّى بَدِتِ الحِيتان من قعرِ البحرِ فنطقَ كثير منها بالسّلام عليه بإمرة المؤمنينَ ولم يَنطِقْ منهِا أصنافٌ من السُّموك وهي : الجِرِّي(1) والزِّمّارُ(2) والمارماهي(3).
فتعجّبَ النّاسُ لذلكَ وسألوه عن علّةِ نُطْقِ ما نطقَ وصمُوت ما صمتَ ، فقالَ : «أنطقَ اللّهُ لي ما طَهَر منَ السموكِ ، وأصْمَتَ عثًي ما حرّمَه ونَجّسَه وبعّدَه»(4) وهذا خبرٌ مستفيضٌ شُهرتُه بالنّقلِ والرِّوايةِ كشُهرةِ كلامِ الذِّئبِ للنّبيِّ صلّى اللّهُ عليهِ وآلهِ وتسبيحِ الحصى بكفه (5) وحَنينِ الجِذْعِ إِليه وإطعامِه الخلقَ الكثيرَ منَ الطّعام القليلِ . ومن رَامَ طعناً فيه فهولا يجدً منَ الشُّبهةِ في ذلكَ إِلاّ ما يتعلقُ به الطّاعِنونَ فيما عَدَدْناه من معجزاتِ النّبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ
____________
(1) الجري : صنف من السمك لا فلس له ، ويقال له الجريث . (مجمع البحرين - جرر - 3 : 244».
(2) الزمار والزمير: نوع من السمك . «مجمع البحرين - زمر- 3 : 319» .
(3) المارماهي : معرب وأصله حية السمك . «مجمع البحرين - مرر- 3 : 485» .
(4) المسعودي في إثبات الوصية : 128 والرضي في خصائص الأئمة : 58.
(5) في هامش «ش» : في كفه .
نقد هذه الخرافة
كتاب أخطاء المؤرخ ابن خلدون في كتابه المقدمة -دراسة نقدية تحليلية هادفة- د.خالد كبير علال صفحة 54
و النموذج الثاني عشر –و هو الأخير:
يتضمن مثالا نموذجيا واحدا و هو نموذج رائع للنقد التاريخي المتعدد الطرق و المتكامل الجوانب مارسه الشيخ تقي الدين بن تيمية في رده على الشيعة الرافضة
فقال إنهم رووا أن الماء زاد بمدينة الكوفة فخاف أهلها من الغرق و فزعوا إلى علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- فركب بغلة رسول الله-عليه الصلاة و السلام- و خرج معه الناس فنزل على شاطئ الفرات ثم دعا و ضرب صفحة الماء بقضيب كان بيده فغاص الماء و سلّم عليه كثير من الحيتان و لم ينطق بعضها فسُئل عن ذلك فقال : أنطق الله ما طهّره من الأسماك و أسكت من أنجسه و أبعده [ 1 ] .
ثم نص ابن تيمية على أن هذا الخبر هو من الحكايات المكذوبة التي يعلم العقلاء أنها من المكذوبات ثم نقدها و ردها من عدة وجوه
أولا: أنها حكاية ليس لها إسناد يمكن الرجوع إليه لمعرف صحته و ثبوتها و إلا فإن ذكر الروايات بلا إسناد هو فعل يقدر عليه كل إنسان و لا يعجز عنه أحد [ 2 ][url=#_ftn2][/url]
ثانيا: هو أن بغلة النبي –عليه الصلاة و السلام- لم تكن عند علي بن أبي طالب
ثالثا: هو أن هذه الحكاية ليس لها ذكر في الكتب المعتمدة المعروفة
رابعا: هو أن مثل هذه الحكاية لو حدثت فعلا لكانت مما تتوافر الهمم و الدواعي على نقلها
خامسا:هو أن السمك في الشريعة الإسلامية كله مباح بالنص و بإجماع الصحابة بما فيهم علي و الفقهاء من بعدهم فكيف تزعم تلك الرواية أن الله تعالى أنجسه ؟
سادسا: هو أن نطق السمك مخالف للعادة ،و غير مقدور له [ 3 ] .
و يتبين من هذا النقد أن ابن تيمية نقد تلك الرواية إسنادا و متنا و احتكم فيها إلى الثابت من التاريخ و إلى النقل و العقل و بعض سنن الطبيعة و المجتمع و بمعنى آخر أنه طبق عليها قانون المطابقة بمعناه الواسع و نقده هذا هو بحق نقد صحيح عميق رائع يدل على قدرات صاحبه في النقد و التحقيق و التصور الشامل لطرق النقد التاريخي و ممارسته له
[ 1 ] ابن تيمية : منهاج السنة ، ج 4 ص: 195-196 .
[ 2 ] نفسه ، ج4 ص: 195 .
[ 3 ] نفسه ، ج4 ص: 195، 196 .