قوله تعالى عن سفينة نوح: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ، وقوله لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .
والجواب: أن المعنى في هاتين الآيتين على ظاهر الكلام وحقيقته، لكن ما ظاهر الكلام وحقيقته هنا؟.
هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن السفينة تجري في عين الله، أو أن موسى عليه الصلاة والسلام يُرَبَّى فوق عين الله تعالى؟.
أو يقال: إن ظاهره أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله تعالى يرعاه ويكلؤه بها.
ولا ريب أن القول الأول باطل من وجهين:
الأول: أنه لا يقتضيه الكلام بمقتضى الخطاب العربي، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ، ولا أحد يفهم من قول القائل: فلان يسير بعيني. أن المعني: أنه يسير داخل عينه. ولا من قول القائل: فلان تخرج على عيني. أن تخرجه كان وهو راكب على عينه. ولو ادعى مدع أن هذا ظاهر اللفظ في هذا الخطاب لضحك منه السفهاء فضلاً عن العقلاء.
الثاني: أن هذا ممتنع غاية الامتناع، ولا يمكن لمن عرف الله وقدره حق قدره أن يفهمه في حق الله تعالى، لأن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه، لا يحل فيه شيء من مخلوقاته، ولا هو حال في شيء من مخلوقاته، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
فإذا تبين بطلان هذا من الناحية اللفظية والمعنوية، تعين أن يكون ظاهر الكلام هو القول الثاني: أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله يرعاه ويكلؤه بها.
وهذا معنى قول بعض السلف: (بمرأى منى) ، فإن الله تعالى إذا كان يكلؤه بعينه لزم من ذلك أن يراه، ولازم المعنى الصحيح جزء منه، كما هو معلوم من دلالة اللفظ، حيث تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام.
القواعد المثلى للامام ابن عثيمين ص 87