قوله تعالى: في الحديث القدسي: "يابن آدم، مرضت فلم تعدني" الحديث.
وهذا الحديث رواه مسلم في باب فضل عيادة المريض، من كتاب البر والصلة والآداب، رقم: 43 (ص 1990) ترتيب: محمد فؤاد عبد الباقي.
رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يابن آدم، مرضت فلم تعدني. قال: يارب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟. يابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني. قال: يارب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟. قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟. يابن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يارب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي".
والجواب: أن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به.
فقوله تعالى: مرضت، واستطعمتك، واستسقيتك، بينه الله تعالى بنفسه، حيث قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض، وأنه استطعمك عبدي فلان، واستسقاك عبدي فلان. وهو صريح في أن المراد به مرض عبد من عباد الله، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به، وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله، والاستطعام المضاف إليه، والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد واستطعامه واستسقائه لم يكن في ذلك صرف للكلام عن ظاهره، لأن ذلك تفسير المتكلم به، فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداء، وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولاً للترغيب والحث، كقوله تعالى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ} .
وهذا الحديث من أكبر الحجج الدامغة لأهل التأويل، الذين يحرفون نصوص الصفات عن ظاهرها بلا دليل من كتاب الله تعالى، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يحرفونها بشبه باطلة، هم فيها متناقضون مضطربون.
إذ لو كان المراد خلاف ظاهرها كما يقولون لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ظاهرها ممتنعا على الله كما زعموا لبينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث. ولو كان ظاهرها اللائق بالله ممتنعا على الله لكان في الكتاب والسنة من وصف الله تعالى بما يمتنع عليه ما لا يحصى إلا بكلفة، وهذا من أكبر المحال.
ولنكتف بهذا القدر من الأمثلة لتكون نبراسا لغيرها، وإلا فالقاعدة عند أهل السنة والجماعة معروفة، وهي: إجراء آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
القواعد المثلى للامام ابن عثيمين ص 98