إن كرسيه وسع السموات والأرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع
عن عبد الله بن أبي زياد القطواني قال: « حدثنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبى إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع. ثم قال بأصابعه فجمعها. وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد، إذا ركب من ثقله».
رواه عبد الله بن الإمام أحمد في (السنة1/305) والضياء في (المختارة1/265) وذكره الطبري في (تفسيره5/400) والسيوطي في (الدر المنثور2/17).
قال الألباني بأنه حديث منكر كما في (سلسلة الأحاديث الضعيفة2/364 حديث رقم866).
قال ابن تيمية: « وطائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه كما فعل ذلك أبو بكر الإسماعيلي وابن الجوزي وغيرهم. لكن أكثر أهل السنة قبلوه، والحديث قد رواه علماء السنة كأحمد وأبي داود وغيرهما وليس فيه إلا ما له شاهد من رواية أخرى».
أضاف: «وحديث ابن خليفة رواه الإمام أحمد وغيره مختصرا وذكر أنه حدث به وكيع . لكن كثير ممن رواه رووه بقوله (إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع) فجعل العرش يفضل منه أربع أصابع. واعتقد القاضي وابن الزاغوني ونحوهما صحة هذا اللفظ فأمروه وتكلموا على معناه بأن ذلك القدر لا يحصل عليه الاستواء. وذكر عن ابن العايذ أنه قال: هو موضع جلوس محمد صلى الله عليه وسلم. والحديث قد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره وغيره ولفظه «وإنه ليجلس عليه فما يفضل منه قدر أربع أصابع»} بالنفي. فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين هذه تنفي ما أثبتت هذه. ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الإثبات وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوي عليها الرب» (مجموع الفتاوى16/435).
وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي وأنه ذكر عظمة العرش وأنه مع هذه العظمة فالرب مستو عليه كله لا يفضل منه قدر أربعة أصابع . وهذه غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء الإنسان كما يقدر في الميزان قدره فيقال : ما في السماء قدر كف سحابا . فإن الناس يقدرون الممسوح بالباع والذراع وأصغر ما عندهم، وهذا معنى غريب ليس له قط شاهد في شيء من الروايات. بل هو يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر. وهذا باطل مخالف للكتاب والسنة وللعقل ويقتضي أيضا أنه إنما عرف عظمة الرب بتعظيم العرش المخلوق وقد جعل العرش أعظم منه. فما عظم الرب إلا بالمقايسة بمخلوق وهو أعظم من الرب. وهذا معنى فاسد مخالف لما علم من الكتاب والسنة والعقل فإن طريقة القرآن في ذلك أن يبين عظمة الرب فإنه أعظم من كل ما يعلم عظمته. فيذكر عظمة المخلوقات ويبين أن الرب أعظم منها» (مجموع الفتاوى16/436 دقائق التفسير5/259).
قال الذهبي «هذا حديث محفوظ من حديث أبي إسحاق السبيعي إمام الكوفيين في وقته، سمع من غير واحد من الصحابة، وأخرجا حديثه في الصحيحين، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة. تفرد بهذا الحديث عن عبد الله بن خليفة من قدماء التابعين، لا نعلم حاله بجرح ولا تعديل، لكن هذا الحديث حدث به أبو إسحاق السبيعي مقرًا له كغيره من أحاديث الصفات، وحدث به كذلك سفيان الثوري وحدث به أبو أحمد الزبيري، ويحي بن أبي بكير ، ووكيع ، عن إسرائيل. وأخرجه أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة والرد على الجهمية له، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عبد الله ابن خليفة عن عمر رضي الله عنه، ولفظه "إذا جلس الرب على الكرسي، سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد". ورواه أيضا عن أبيه حدثنا وكيع (ق38/أ) بحديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة عن عمر إذا جلس الرب على الكرسي فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون [بهذه الأحاديث] ولا ينكرونها .
قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان فلا أدري أخرجه أم لا؟ فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.
فإذا كان هؤلاء الأئمة: أبو إسحاق السبيعي والثوري والأعمش وإسرائيل وعبد الرحمن بن مهدي وأبو أحمد الزبيري ووكيع، وأحمد بن حنبل وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل. قال الإمام أحمد: لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع».
فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث» (العرش للهبي ص210).
وهذه الرواية لم تغير موقف أهل العلم بالرواية من حديث الطير المشوي. فبقي عندهم منكرا باطلا كالترمذي والذهبي وابن حجر والزيلعي وابن كثير وابن الجوزي.