قال الحافظ ابن حجر : " وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين حدثني الحسين بن علي قال أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر: لم يكن لأبي منبر. وأخذني فأجلسني معه أقلّب حصى بيدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله، فقال لي: من علّمك؟ قلت: واللَّه ما علّمني أحد. قال: بأبي، لو جعلت تغشانا. قال: فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر فرجعت معه فلقيني بعد قلت فقال لي: لم أراك. قلت: يا أمير المؤمنين، إني جئت وأنت خال بمعاوية، فرجعت مع ابن عمر. فقال: أنت أحقّ بالإذن من ابن عمر: فإنما أنبت ما ترى في رءوسنا اللَّه ثم أنتم. سنده صحيح وهو عند الخطيب " الاصابة – احمد بن علي بن حجر – ج 2 ص 69
يحتج الرافضة بهذ الاثر , ويقول بعضهم ان الحسين رضي الله عنه قد طعن بخلافة عمر رضي الله عنه .
اقول : لا يوجد اي طعن في الاثر من الحسين رضي الله عنه بخلافة امير المؤمنين عمر رضي الله عنه , بل الامر على العكس وهو اثباته لخلافة امير المؤمنين عمر رضي الله عنه , ولهذا خاطبه وقال له يا امير المؤمنين , وفي الاثر ايضا فضيلة كبيرة لعمر رضي الله عنه في تعامله مع اهل البيت رضوان الله عليهم اذ ان امير المؤمنين عمر قد قدم الحسين في الاذن عليه على ولده عبد الله بن عمر , وفي هذا كله دليل على المحبة الكبيرة , والتعظيم من امير المؤمنين عمر لاهل البيت رضي الله عنهم جميعا .
لقد كان الحسين رضي الله عنه طفلا لم يبلغ الحلم كما في رواية ابن شبة , حيث قال : " حَدَّثَنَا الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ: " أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَامَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فَقَالَ: انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ جَدِّي، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «تَأَخَّرْ يَا ابْنَ أَخِي» ، قَالَ: وَأَخَذَ حُسَيْنٌ بِرِدَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ يَزَلْ يَجْبِذُهُ وَيَقُولُ: انْزِلْ عَنْ مِنْبَرِ جَدِّي، وَتَرَدَّدَ عَلَيْهِ حَتَّى قَطَعَ خُطْبَتَهُ وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا صَلَّى أَرْسَلَ إِلَى حُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي مَنْ أَمَرَكَ بِالَّذِي صَنَعْتَ؟» قَالَ حُسَيْنٌ: مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، قَالَ: يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ حُسَيْنٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: مَا أَمَرَنِي بِهِ أَحَدٌ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَوَ لِي؟» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَحُسَيْنٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ دُونَ الْمُحْتَلِمِ " تاريخ المدينة – عمر بن شبة – ج 3 ص 798
فهذا الاثر يبين قول الحسين رضي الله عنه بان المنبر لجده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فتعامل معه امير المؤمنين عمر رضي الله عنه تعامل الاب الحنون بحيث انه خاطبه بقوله : ( يا ابن اخي ) وذلك لان علي وعمر رضي الله عنهما اخوة في الله تعالى كما قال الله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (10) : الحجرات } , ولقد ذكر هذا الاثر الامام السيوطي من الحافظ ابن عساكر وصححه , حيث قال : " و أخرج ابن عساكر عن أبي البختري قال : كان عمر بن الخطاب يخطب على المنبر فقام إليه الحسين بن علي رضي الله عنه فقال : انزل عن منبر أبي فقال عمر : منبر أبيك لا منبر أبي من أمرك بهذا ؟ فقام علي فقال : و الله ما أمره بهذا أحد أما لأوجعنك يا غدر فقال : لا توجع ابن أخي فقد صدق منبر أبيه إسناده صحيح " تاريخ الخلفاء – عبد الرحمن بن ابي بكرالسيوطي – ج 1 ص 124
ففي هذه الاثار ما يدل على التراحم , والتوادد بين علي , وعمر رضي الله عنهما , وكيف يعامل احدهما الاخر بكل صدق , واحترام , وتعظيم , وتوقير , فالكلام بينهما مبني على الصدق , والتصديق من احدهما للاخر .