اللهم ائتني باحب خلقك اليك ياكل معي هذا الطير
قال الامام الالباني : " 6575 - ( اللهم! ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطير. فجاء أبو بكر فردَّه، وجاء عمر فردَّه، وجاء علي فأذن له ).
منكر.
أخرجه النسائي في " السنن الكبرى" ( 5/107/8398 -
الخصائص )، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" ( 1/226/362 ) من طريق مسهر بن عبد الملك عن عيسى بن عمر عن السدي عن أنس بن مالك:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر، فقال: ...فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير ( مسهر بن عبد الله )، وهو مختلف فيه، أورده الذهبي في "المغني" وقال:"ليس بالقوي. قال البخاري: فيه بعض النظر". وقال الحافظ في "التقريب": "ليّن الحديث".
وبقول البخاري المذكور أعله ابن الجوزي. لكن له متابع، فقال الترمذي
( 3823 ): حدثنا سفيان بن وكيع: أخبرنا عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر به، دون ذكر أبي بكر وعمر، وقال: "حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه".
قلت: سفيان بن وكيع: قال الذهبي في "المغني": "ضُعف. وقال أبو زرعة: كان يتهم بالكذب".
قلت: لكنه قد توبع، فقد رواه ابن الجوزي ( 363 ) بإسناده من طريق الدارقطني: نا محمد بن مخلد: نا حاتم بن الليث قال: نا عبيد الله بن موسى به.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا ما في ( السدي ) من الخلاف - وهو ( السدي الكبير )، واسمه: إسماعيل بن عبد الرحمن -، وبه أعله ابن الجوزي فقال:"وهذا لا يصح، لأن إسماعيل السدي قد ضعفه عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن معين".
وأقول - وبالله أستعين -: لعل إعلاله بـ ( عبيد الله بن موسى ) - وهو: ابن أبي المختار العبسي - أولى، وذلك لسببين اثنين:
أحدهما: أن ( عبيد الله ) - وإن كان ثقة ومن رجال الشيخين، - ففيه كلام كثير - كما تراه في "التهذيب" وغيره -، وكان له تخاليط، ومنكرات، مع غلو في التشيع، قال ابن سعد في "الطبقات" ( 6/400 ):
"كان ثقة صدوقاً إن شاء الله، كثير الحديث، حسن الهيئة، وكان يتشيع، ويروي أحاديث في التشيع منكرة، فضعف بذلك عند كثير من الناس". وفي "التهذيب":
"قال أبو الحسن الميموني: وذُكر عنده - يعني: أحمد بن حنبل -( عبيد الله ابن موسى )، فرأيته كالمنكر له. قال:"كان صاحب تخليط، وحدث بأحاديث سوء، أخرج تلك البلايا فحدث بها".
قيل له: فابن فضيل؟ قال: لم يكن مثله، كان أستر منه، وأما هو فأخرج تلك الأحاديث الردية".
قلت: ولعل هذا منها - فيما يشير الإمام -، وذكر له في "العلل" ( 1/556/1327 -تحقيق وصي الله ) حديثاًَ، وعقب عليه بقوله:
"أراه دخل لـ ( عبيد الله بن موسى ) إسناد حديث في إسناده حديث".
قلت: وحديث الترجمة من هذا القبيل في نقدي، لما سأذكره قريباً.
والآخر - من السببين -: أن ( عبيد الله ) اضطرب في إسناد الحديث، فمرة رواه عن عيسى بن عمر عن إسماعيل السدي - كما تقدم -ومرة قال: ثنا إسماعيل بن سلمان الأزرق عن أنس به مطولاً.
أخرجه البزار ( 3/193 -194 - كشف الأستار ): حدثنا أحمد بن عثمان ابن حكيم: ثنا عبيد الله بن موسى به. وعلقه البخاري ( 1/1/358 ). وقال البزار:
"قد روي عن أنس من وجوه، وكل من رواه عن أنس فليس بالقوي،
وإسماعيل كوفي حدث عن أنس بحديثين".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ( 9/126 ):"رواه البزار، وفيه إسماعيل بن سلمان وهو متروك".
قلت: فأنا أخشى أن يكون قول ( عبيد الله بن موسى ) في الإسناد المتقدم:
"إسماعيل السدي" من تخاليطه التي أشار إليها الإمام أحمد ... جعله مكان:
( إسماعيل بن سلمان ) المتروك، فإن إسناد البزار إليه بذلك صحيح، فالحديث إنما هو حديث ابن سلمان هذا المتروك، وليس حديث ( إسماعيل السدي ) الثقة، ولعل في قول البزار المتقدم: "وكل من رواه عن أنس فليس بالقوي" - إشارة إلى ذلك -. ومثله قول أبي يعلى الخليلي في "الإرشاد" ( 1/420 ):"حديث الطير، وضعه كذاب على مالك يقال له: ( صخر الحاجبي ) من أهل مرو ... وما روى حديث الطير ثقة، رواه الضعفاء، مثل: ( إسماعيل بن سلمان الأزرق ) وأشباهه، ويرده جميع أهل الحديث".
قلت: وعلى رأسهم الإمام البخاري، فقد أورده في "التاريخ" ( 1/2/2 -3 ) من طريق عثمان الطويل عن أنس به، مثل رواية الترمذي، وقال:"ولا يعرف لعثمان سماع من أنس".
قلت: وفي الطريق إليه ( أحمد بن يزيد بن إبراهيم أبو الحسن الحراني )، روى له البخاري متابعة، وضعفه أبو حاتم.
ثم رواه من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس بهذا. وقال: "مرسل". يعني: منقطع بين عبد الملك وأنس.
قلت: ولعل هذا هو أصل الحديث: الانقطاع، لا يدري الرواي له عن أنس، ثم سرقه بعض الوضاعين - من الشيعة والضعفاء والمجهولين منهم، أو المتعاطفين معهم -، فركبوا عليه أسانيد كثيرة، يدلك على ذلك قول الحاكم في "المتسدرك" ( 3/131 ):"وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً".
ثم لم يستطع أن يسوق منها إلا طريقين فقط، غير سالمين من الطعن، صحح احدهما على شرط الشيخين! وسكت عن الآخر، فتعقبه الذهبي في هذا بقوله:
"قلت: إبراهيم بن ثابت ساقط". وقال في الأول:"قلت: ابن عياض لا أعرفه، ولقد كنت زماناً طويلاً أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في "مستدركه"، فلما علقت هذا الكتاب، رأيت الهول من الموضوعات التي فيه، فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء"!
وتجد مصداق ما ذكرته آنفاً من تركيب الأسانيد عليه ممن أشرنا إليهم - من الوضاعين وغيرهم - في الطرق التي خرجها ابن الجوزي، وقد بلغت في عده ستة عشر طريقاً، وهي في الواقع خمسة عشر، لأن الطريق الرابع عشر والخامس عشر مدارهما على مسلم أبي عبد الله في الأول منهما، وهو: مسلم الملائي في الآخر.
وللفائدة أقول:
وقد بيض للطريق العاشر، وفيه ( أحمد بن سعيد بن فرقد الجُدّي ): نا أبو حُمة محمد بن يوسف اليمامي: نا أبو قرة موسى بن طارق بسنده عن أنس.
والظاهر أنه لم يعرف ( أحمد بن سعيد ) هذا، وحق له ذلك، فإن الذهبي لما أورده في "الميزان"، لم يزد على قوله:"وعنه الطبراني. فذكر حديث الطير بإسناد الصحيح، فهو المتهم به".
قلت: لم أقف على إسناده، ولعله في بعض كتبه التي لم نطلع عليها، مثل:
"كتاب فضائل علي رضي الله عنه"، أو: "كتاب دلائل النبوة".
وعزاه الحافظ في "اللسان" للحاكم عنه بإسناده المذكور أعلاه - ولم أره في "المستدرك" - وقال:"وأحمد بن سعيد معروف من شيوخ الطبراني، وأظنه دخل عليه إسناد في إسناد".
قلت: لكن أحمد هذا ليس من مشهوري شيوخ الطبراني، فإنه لم يرو له في "المعجم الأوسط" ( 1/94/1/1727، 1728 - بترقيمي ) إلا حديثين بإسناد واحد، وهو المذكور آنفاً، لكن عن موسى بن عقبة عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر، وأحدهما في "المعجم الصغير" برقم ( 524 - الروض ).
ثم قال ابن الجوزي ( 1/233 ):"وقد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقاً، كلها مظلم، وفيها مطاعن، فلم أر الإطالة بذلك".
قلت: ولم يكن الحاكم مبالغاً في قوله المتقدم أنه رواه عن أنس من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، فقد رأيت الأخ الفاضل أحمد البلوشي قد أبلغها هذا العدد في تعليقه على "خصائص علي" ( ص29 -33 )، وقارب ذلك الأخ الفاضل سعد بن عبد الله آل حميد في تعليقه على "مختصر استدراك الحافظ الذهبي" ( 3/1447 -1454 )، فأوصلها إلى خمس وعشرين طريقاً، وقد أطالا النفس في تخريجهما والكشف عن عللها. وجزاهما الله خيراً.
إلا أنني أخذت عليهما بعض الأشياء، أهمهما: أن الأول منهما لم يتكلم على الطريق الأولى التي مدارها على عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر عن السدي، فأوهم بسكوته أنها سالمة من العلة، وهي في الحقيقة أقرب طرقه الثلاثين إلى السلامة، فكان الأولى به أن يعنى بها عناية خاصة.
وأما الفاضل الآخر: فأعله ( 3/1456 ) بالسدي، تبعاً لابن الجوزي، ولكنه زاد عليه إعلاله لرواية الترمذي - التي لم يسقها ابن الجوزي - بسفيان بن وكيع.
ولكنه قال: "وأما متابعة حاتم بن الليث لسفيان بن وكيع فيتوقف فيها إلى أن يتضح من هو حاتم بن الليث هذا، فإني لم أجد له ذكراًَ في غير هذا الموضع من "علل ابن الجوزي"، ولم يذكره المزي في الرواة عن عبيد الله بن موسى، ولا الخطيب البغدادي في شيوخ محمد بن مخلد بن حفص شيخ الدارقطني".
قلت: حاتم هذا ثقة - كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا التخريج -، والآن لا بد من ذكر مستندي في ذلك، فأقول:لقد ترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد" ( 8/245 -246 )، وذكر في الرواة عنه ابن مخلد هذا، ثم قال: "وكان ثقة ثبتاً متقناً حافظاً". وقال الحافظ الذهبي في "السير" ( 12/519 ) :"....الحافظ المكثر الثقة".
قلت: فهذه متابعة قوية جداً لسفيان بن وكيع، فلم يبق كبير فائدة لإعلال الحديث بإسماعيل السدي عند الفاضل وغيره، ولا سيما وقد ردها الحافظ العسقلاني على الشيخ القزويني في رده المطبوع في آخر "المشكاة" ( 3/314 ) بقوله: "قلت: أخرج له مسلم، ووثقه جماعة، منهم: شعبة وسفيان ويحيى القطان".
وقد خفيت عليهم جميعاً علة الحديث الحقيقية في هذه الطرق، وهي وهم عبيد الله بن موسى واضطرابه في إسناده، قال: ( إسماعيل السدي ) ...مكان إسماعيل بن سلمان )، كما سبق بيانه -. وهو مما لم أسبق إليه -فيما علمت. فإن أصبت، فمن الله وفضله، وإن أخطأت، فمن نفسي. والله تعالى أسأل أن يغفر لي ذنبي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي.
"ثم صحت الرواية عن علي، وأبي سعيد، وسفينة".
وسكت عنه الذهبي هنا في "التلخيص"، فلم يتعقبه بشيء، وإنما تعقبه في "جزءه" الذي جمعه في هذا الحديث فقال: " لا اللهَ! ما صح من ذلك شيء".
نقله عنه تلميذه ابن كثير في "تاريخه" ( 7/350 -351 ).
قلت: وما حنث الذهبي رحمه الله، فقد بين ابن كثير علل الطرق عن هؤلاء الأصحاب الثلاثة - كما بين علل كثير من الطرق المشار إليها آنفاً -، وختم ذلك كله بقوله :"وبالجملة، ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر، وإن كثرت طرقه. والله أعلم".
قلت: تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة ليست قاعدة مضطردة - كما هو مشروح في علم المصطلح -، فكم من حديث كثرت طرقه، ومع ذلك ضعفه العلماء كحديث: "من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ..." وغيره. ولذلك قال الحافظ الزيلعي في كتابه القيم "نصب الراية لأحاديث الهداية" ( 1/358 -
360 ): "وأحاديث الجهر - وإن كثرت رواتها، لكنها - كلها ضعيفة، وكم من حديث كثرت رواته، وتعددت طرقه، وهو حديث ضعيف، كحديث الطير".
ومن هذا القبيل حديث قصة الغرانيق، ولي فيها رسالة نافعة مطبوعة.
ولهذا لم نر الحفاظ المتقدمين أعملوا هذه القاعدة هنا، بل صرحوا بضعف الحديث -كما تقدم عن الإمام البخاري والعقيلي والبزار، وأبي يعلى الخليلي -، بل إن هذا نقل رده عن جميع أهل الحديث -كما سبق -. ولقد كان من هؤلاء الذين ضعفوه ولم يلتفتوا إلى طرقه الحاكم نفسه، فيما ذكره الذهبي في ترجمته من "السير" ( 17/168 ):أنهم كانوا في مجلس، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير؟ فقال:"لا يصح، ولو صح، لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ".
قال الذهبي عقبه: "فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في "المستدرك"؟! فكأنه اختلف اجتهاده، وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء".
قلت: وقد أشار الحاكم بجوابه المذكور إلى حقيقة علمية مقطوع بها عند أهل السنة، ولا يرتاب فيها إلا الرافضة وأمثالهم من فرق الضلالة، وهي أن أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما، كما جاء من طرق عن ابن عمر رضي الله عنه وبعضها في "صحيح البخاري"، وهي مخرجة في آخر المجلد الثاني من "ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة".
وكذلك، فحديث الطير يخالف حديث عمرو بن العاص: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليك؟ قال: "عائشة". قال: قلت: من الرجال؟ قال: "أبوها".
متفق عليه. ( انظر مقدمة المجلد الثالث من "المشكاة" ). ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي في "منهاج السنة" ( 4/99 ):
"إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل ..."؟ في بحث له قيم، فراجعه.
قلت: ومن الغرائب أنه أصاب الذهبي في هذا الحديث من اختلاف الاجتهادما أصاب الحاكم، فإنه في كتابه "المنتقى من منهاج الاعتدال" نقل ( ص 472 -
473 ) قول ابن تيمية المذكور وخلاصة بحثه المشار إليه وأقره، وهو الحق الذي لا ريب فيه، ولكنه في مكان آخر من كتابه "السير" رأيته يقول ( 13/233 ):
"وحديث الطير -على ضعفه - فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء، ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه"!
وذكر نحوه في "التذكرة"، إلا أنه قال في طرقه:"ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل"!
قلت: هذا كلام مجمل لا يروي ولا يشفي، ولذلك فإني أوجه السؤال التالي إلى الحافظ الذهبي ومن وافقه من الحفاظ كالعسقلاني ومن قلده من بعض المتأخرين : ماهو هذا الأصل الذي يراد إثباته ولو بأدنى درجات الإثبات -ألا وهو الحسن لغيره -، فإن الحديث فيه اضطراب كثير جداً، كما بينه الأخ الفاضل الشيخ سعد ابن آل حميد، فقال جزاه الله خيراً ( ص 1470 ):
"وبالجملة، فالحديث لا ينقصه كثرة طرق، وإنما يفتقر إلى سلامة المتن، فإنما أنكر من الأئمة هذا الحديث لما يظهر من متنه من تفضيل علي على الشيخين رضي الله عنهم، بالإضافة لما في متنه من ركة اللفظ والاضطراب.
فمما يدل على سقوط هذا الحديث اضطراب الرواة في متنه، فالمتأمل في متن الحديث من الطرق المتقدمة يجد الاختلاف ظاهراً بين الروايات، وهذه بعض الأمثلة ..".
قلت: فذكر خمسة منها، سبقه إلى ثلاثة منها الأخ البلوشي ( ص 34 -35 ).
وقد غفل كلاهما عن المثال الأقوى، وهو أن في رواية لابن عساكر ( 12/242 ) بلفظ:"اللهم! ائتني برجل يحب الله ورسوله".
وكذا في رواية ( 12/244 ) أخرى وزاد:"ويحبه الله ورسوله".
وفي ثالث بلفظ:"اللهم! أدخل علي من تحبه وأحبه".
رواه ابن مردويه في الطريق ( الرابع عشر ) عند ابن الجوزي.
قلت: فلو أن الحديث كان في أكثر طرقه بلفظ من هذه الألفاظ المتفقة المعنى -، ولم تكن باسم التفضيل "أحب خلقك" -، لكان من الممكن القول بثبوته، ويكون كحديث الراية الصحيح الذي في بعض رواياته:"لأعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ..." رواه البخاري ( 4210 )، ومسلم ( 7/127 ). لكن الواقع أن أكثر الروايات بلفظ اسم التفضيل: "أحب" .. ومن هنا جاء الحكم عليه بالوضع -كما تقدم -.
والمقصود: أن قول الذهبي في طرق الحديث: "ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل" إن يعنِ طرقه التي فيها لفظ: "أحب" الصريح بالتفضيل، فهو باطل، وإن كان يعني الألفاظ الأخرى المثبتة لمطلق الحب، فالخطب سهل، لكن الذي يظهر لي من سياق كلامه وقول المتقدم: "ولا أنا بالمعتقد بطلانه" أنه يعني الأول، لأنه - بعد أن ساقه ( 13/232 ) - حاول تأويله بكلام غير مفهوم عندي، وقد سألت بعض من أثق بعلمهم ومعرفتهم، فما أفادوني شيئاً، وهو على كل حال مردود عندي برواية حديث الترجمة وما في معناها. والله سبحانه وتعالى أعلم " سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الالباني - ج 14 ص 173 – 185
ولقد ورد هذا الاثر عند الامام الطبراني بسند اخر , قال الامام الطبراني : " 730 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ الْمِصْرِيُّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِرٌ، فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ يَأْكُلُ مَعِي» فَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَدَقَّ الْبَابَ، فَقُلْتُ: ذَا؟ فَقَالَ: أَنَا عَلِيٌّ، فَقُلْتُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَاجَةٍ، فَرَجَعَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَجِيءُ، قَالَ: فَضَرَبَ الْبَابَ بِرِجْلِهِ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَبَسَكَ؟» قَالَ: قَدْ جِئْتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَاجَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟» قُلْتُ: كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي " المعجم الكبير – سليمان بن احمد الطبراني - ج 1 ص 253
وهذا الاثر لايصح ايضا , فقد قال الامام الذهبي : " 2280 - حماد بن يحيى بن المختار.عن عطية العوفي.
قال ابن عدي: مجهول.
يوسف بن عدي، حدثنا حماد بن المختار ، عن عبد الملك بن عمير، عن أنس، قال: أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم طائر، فقال: اللهم ائتنى بأحب خلقك [إليك] وذكر الحديث.
هذا حديث منكر.
وساق له ابن عدي حديثاً آخر موضوعا في العترة " ميزان الاعتدال – محمد بن احمد الذهبي – ج 1 ص 602
واما من ناحية المتن فسقوطه ظاهر جدا , وذلك لان احب الخلق الى الله تعالى محمد صلى الله عليه واله وسلم وليس عليا رضي الله عنه ولا غيره .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل هذا الطير فجاء علي (حديث الطائر المشوي)
حدثني أبو علي الحافظ أنبأ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أيوب الصفار وحميد بن يونس بن يعقوب الزيات قالا : ثنا محمد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة ثنا أبي ثنا يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنت أخدم رسول الله فقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرخ مشوي فقال: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير».
رواه الحاكم في (المستدرك3/141) بسند موضوع تعقبه الذهبي وحكم عليه بالوضع. وتناقض الحاكم في الحكم عليه. قال أبو عبد الرحمن الشاذياخي » كنا في مجلس السيد أبي الحسن فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي رضي الله عنه بعد النبي. قال الذهبي: ثم تغير رأي الحاكم وأخرج حديث الطير في مستدركه« (تذكرة الحفاظ2/1042).
وقال الذهبي » هو خبر منكر« (1/602).
وقال الشيخ الألباني « ضعيف» (مشكاة المصابيح ح رقم6085 ضعيف الترمذي ص500 ح رقم3987).
ورواه الترمذي (3721) وقال حديث غريب. أي ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر »هو خبر منكر« (لسان الميزان2/354) وفي أجوبته عن الأحاديث الموضوعة في مشكاة المصابيح ذكر للحديث شواهد: غير أن المعول عليه هو المتأخر من قوليه كما في اللسان.
قال الزيلعي في نصب الراية « كم من حديث تعددت طرقه وكثرت رواياته وهو ضعيف كحديث الطير« (نصب الراية1/361 تحفة الأحوذي10/224).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (7/351) « إن كل من أخرجوه بضعة وتسعون نفسا أقربها غرائب ضعيفة.. ووقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سندا ومتنا للقاضي أبي بكر الباقلاني« (مختصر مستدرك الحاكم للحميد3/1446).
وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية1/225 » ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقا كلها مظلم«.
ومن بلايا هذه الرواية وآفات طرقها المتعددة:
مطير بن أبي خالد. متروك الحديث كما قاله ابن أبي حاتم.
أحمد بن عياض: مجهول.
إبراهيم القصار: ضعيف.
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي: رموه بالتشيع. وهو من غلاة الشيعة.
وقد صح حديث آخر شبيه به وهو فضيلة لسعد بن أبي وقاص:
حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن سعيد بن محمد الجرمي قال نا معن بن عيسى قال حدثتني عبيدة بنت نابل عن عائشة بنت سعد عن أبيها أن النبي كان بين يديه طعام فقال « اللهم سق إلى هذا الطعام عبدا تحبه ويحبك». قال فطلع [سعد بن أبي وقاص] يعني نفسه» (رواه البزار في مسنده4/46 بإسناد صحيح).
وقد تعلقوا برواية وجدوا رواتها كلهم ثقات، ولكن عميت عيونهم عن وجود علة في أحد رواتها:
« أخبرنا أبو غالب بن البنا أنا أبو الحسين بن الابنوسي أنا أبو الحسن الدار قطني نا محمد بن مخلد بن حفص نا حاتم بن الليث نا عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر القارئ عن السدي نا أنس بن مالك قال أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيار فقسمها وترك طيرا فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فجاء علي بن أبي طالب فدخل يأكل معه من ذلك الطير قال الدارقطني تفرد به عيسى بن عمر عن السدي» (تاريخ دمشق لابن عساكر42/254).
وإسنادها ضعيف. تفرد به عبيد الله بن موسى. وهو ثقة ولكن فيه تشيع، وله بلايا روايات كان يحدث بها. ولا يقبل ما تفرد به مما يؤيد بدعته من هذه البلايا التي ربما تلقاها عن مشايخ التشيع لأن هذه الرواية هم مصدرها.
قال الذهبي « أبو محمد المقرئ الحافظ الشيعي شيخ البخاري... قال أحمد بن حنبل حدث بأحاديث سوء وأخرج تلك البلايا فحدث بها» (معرفة القراء الكبار للذهبي1/168).
وروى عبد الله بن الإمام أحمد أن الربيع بن حبيب « كان يحدث عن عبيد الله بالروايات المنكرة» (العلل1/378 وانظر تهذيب الكمال للحافظ المزي9/68).
وجاء في العلل أيضا عن عبد الله بن الإمام أحمد: « سمعتُ أَبي يقول: سمعت عبيد الله بن موسى قديماً بعضه في سنة خمس وثمانين وبعد ذلك. قال: رأيت عبيد الله بن موسى بمكة فما عرضت له، لم يكن لي فيه رأي» (العلل4853).
أضاف: « وقال ابن هانئ: سألت أبا عبد الله، عن عبيد الله بن موسى؟ قال: حديثه الذي روى عن مشايخهم لا يكتب» (أنظر أيضا موسوعة أقوال الإمام أحمد4/444).
قلت: لعله يقصد هنا مشايخ التشيع. وقد علمنا أن طرق رواية الطير المشوي جاءت من قبل التشيع فقد عرف مصدر عبيد الله بن موسى حينئذ. فقد قال أبو داود « كان شيعيا محترقا» وقال أحمد بن حنبل: « له أحاديث مناكير». وقال محمد بن سعد: « كان منكر الحديث، مفرطا في التشيع، كتبوا عنه ضرورة». وذكره ابن عدي في (كامله) فأورد له عدة أحاديث منكرة» (سير أعلام النبلاء10/218).
قال الحافظ ابن كثير عن عبيد الله بن موسى:
« وهو شيعي من رجال الصحيح - عن العلاء بن صالح الازدي الكوفي - وثقوه، ولكن قال أبو حاتم: كان من عتق الشيعة» (البداية والنهاية3/36).
وأهل الحديث عادة يضعفون ما يتفرد به عبيد الله بن موسى. مثل حديث (المعك طرف من الظلم). قال أبو نعيم: «غريب من حديث أبي إسحاق ، تفرد به عبيد الله» (سلسلة الضعيفة رقم4681).
قال الحافظ ابن حجر في عبيد الله بن موسى:
« قال الميموني ذكر عند أحمد عبيد الله بن موسى فرأيته كالمنكر له وقال كان صاحب تخليط وحدث باحاديث سوء... قال ابن سعد: وكان ثقة صدوقا إن شاء الله تعالى كثير الحديث حسن الهيئة وكان يتشيع ويروي أحاديث في التشيع منكرة وضعف بذلك عند كثير من الناس وكان صاحب قرآن وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان يتشيع وقال يعقوب بن سفيان شيعي وإن قال قائل رافضي لم أنكر عليه وهو منكر الحديث وقال الجوزجاني وعبيد الله ابن موسى اغلى واسوأ مذهبا واروى للعجائب».
قال الحاكم: « سمعت قاسم بن قاسم السياري سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول عبيد الله بن موسى من المتروكين تركه أحمد لتشيعه، وقد عوتب على روايته عن عبد الرزاق فذكر أن عبد الرزاق رجع وقال ابن شاهين في الثقات قال عثمان بن أبي شيبة صدوق ثقة وكان يضطرب في حديث سفيان اضطرابا قبيحا» وقال ابن عدي « قال البخاري عنده جامع سفيان يستصغر فيه وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة ما أقربه من يحيى بن يمان ويحيى بن يمان أرجو أن يكون صدوقا وليس حديثه بالقوي وقال ابن قانع كوفي صالح يتشيع وقال الساجي صدوق كان يفرط في التشيع».
قال أحمد « روى مناكير وقد رأيته بمكة فاعرضت عنه وقد سمعت منه قديما سنة (85) وبعد ذلك عتبوا عليه ترك الجمعة مع ادمانه على الحج أمر لا يشبه بعضه بعضا وفي الزهرة روى عنه البخاري (27) حديثا» (تهذيب التهذيب7/48).
فإذا وجد له طريق متابع فيروى له مثل حديث « عبيد الله بن موسى قال أخبرنا شيبان عن هلال بن حميد عن عروة عن عائشة قالت: « قال رسول الله في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشى عليه أن يتخذ مسجدا».
فإذا تفرد الشيعي برواية فهي علة. لا سيما إذا كانت رواية الراوي مؤيدة لبدعته. ومن المقرر عند علماء الحديث أن المبتدع إذا تفرد برواية تؤيد بدعته وهو داعية لها فإن روايته مردودة. وهذا جرح مفسر مقدم على التوثيق. وعبيد الله بن موسى مبتلى بالتشيع. ومعلوم أن الراوي المبتلى ببدعة إذا كان في روايته ما يؤيد بدعته فروايته مردودة.